الثلاثاء, 12 أغسطس 2025 12:59 PM

دير الزور: عبارات الفرات.. رحلة يومية محفوفة بالمخاطر في ظل الانقسام

دير الزور: عبارات الفرات.. رحلة يومية محفوفة بالمخاطر في ظل الانقسام

عمر عبد الرحمن – دير الزور

في قلب سوريا، حيث يلتقي نهر الفرات بآمال وهموم السكان، تتشكل ملامح معاناة يومية في محافظة دير الزور. لم يعد النهر مجرد شريان حياة، بل خطا فاصلاً بين مناطق نفوذ عسكرية وسياسية متناحرة. تسيطر قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي على الضفة الشمالية، بينما تخضع الضفة الجنوبية لسيطرة الحكومة السورية. على هذا الخط الفاصل، يعيش آلاف المدنيين، معتمدين على الزوارق الصغيرة، المعروفة محلياً بالعبارات، في رحلة يومية محفوفة بالمخاطر بحثاً عن الرزق والدواء ومستقبل أفضل.

تداعيات التقسيم الجغرافي على حياة السكان

أدى هذا التقسيم العسكري إلى تفريق العائلات وعزل المزارعين عن أراضيهم والطلاب عن مدارسهم، مما أجبر السكان على عبور النهر بحثاً عن سبل العيش. وهكذا، أصبحت العبارات وسيلة ضرورية في ظل غياب الخدمات الأساسية بين الضفتين. يقول أبو أحمد، وهو رجل يبلغ من العمر 40 عاماً من ريف دير الزور الشرقي: "أرضي وبساتيني تقع في منطقة تسيطر عليها الحكومة السورية. حياتي مرتبطة بتلك الأرض. كل صباح أدفع ما يعادل ربع دخلي اليومي لعبور منطقة الصالحية إذا كانت مفتوحة. وإذا أغلقت، فلا خيار لي سوى التهريب عبر قارب صغير في الظلام أو عند الفجر. ذات مرة، قبضت علينا دورية حكومية وقضيت أسبوعاً في السجن بتهمة التعاون مع قسد، لمجرد أنني جئت من الضفة الأخرى".

ويضيف أبو أحمد: "نحن مدنيون ومرضى خلق دير الزور. نحن منطقة واحدة وأهل، وجميعنا مرتبطون بالدم والأخوة. لا علاقة لنا بالنزاعات السياسية والعسكرية. نريد فقط أن نعيش بسلام ونطالب بإعادة تأهيل الجسور لنتمكن من العبور بأمان، دون خوف أو تردد، في أي وقت، لكي نتمكن من قضاء أعمالنا وعيش حياتنا الريفية البسيطة".

أما أم نور الدين، البالغة من العمر 55 عاماً، فتنتظر عبوراً غير رسمي قرب ضفة النهر لعلاج أحد أطفالها. تجلس في كوخ صغير، ويبدو على وجهها القلق وهي تمسك بوصفة طبية قديمة للحصول على دواء من المشفى الحكومي في الضفة الأخرى. وتقول: "كل صباح أستيقظ قبل الفجر وأصلي ألا تُغلق العبارات. أحمل الوصفة الطبية والقليل من الخبز الجاف، وأكثر من نصف راتبي يذهب لعبور غير آمن للنهر، لأن الجانبين اتهما صاحب القارب بالتجسس. الماء يبتلعنا والخوف يقتلنا، لكنني مضطرة للحصول على دواء ابني الذي لا يوجد إلا في المشفى الحكومي".

وتضيف أم نور الدين: "ذات يوم أغلق المعبر الرسمي فجأة. انتظرت لساعات تحت الشمس حتى ذاب الحجر، ثم اضطررت للعبور على قارب متهالك. وعندما وصلنا، رفض عناصر الأمن المتواجدون على الضفة دخول القارب لأسباب لا أعرفها. بكيت حتى أغمي عليّ. الحياة هنا باتت لعنة".

العبارات.. شريان حياة في ظل صمت المسؤولين

يقول إبراهيم الصالح، وهو ناشط محلي من دير الزور: "في ظل غياب الجسور التي تربط ضفتي الفرات، ورغم كثرة المناشدات التي لم تجد صدى، تعتبر العبارات في المعابر شريان حياة ومؤشراً للاستقرار". ويضيف: "الإغلاق المتكرر للمعابر جريمة ضد الإنسانية بكل المعايير. المرضى يموتون لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى المستشفيات في الضفة الأخرى، والأطفال يُحرمون من التعليم، والعائلات تُقطع أوصالها. نسمع الاتفاقيات لتنظيم العملية، لكنها تنهار عند أول عاصفة سياسية أو عسكرية".

ويشدد الصالح على أن "الأطراف المتحكمة تستخدم المعابر كأداة ضغط وبطاقة مساومة. هناك حاجة ماسة إلى ضغط دولي لجعل هذه المعابر ممرات آمنة ودائمة، بعيداً عن الصراعات السياسية والعسكرية". وفي الوقت ذاته يضيف الصالح: "نوجه معاناتنا إلى الجهات المسؤولة لإعادة بناء الجسور وجعلها جاهزة لخدمة السكان وحمايتهم من الاستغلال الاقتصادي الذي يمارسه أصحاب العبارات".

من المسؤول؟

من جهته، يقول مسؤول محلي في الحكومة السورية، رافضاً الإفصاح عن اسمه: "الأمر معقد جداً. أحياناً يأتي قرار الإغلاق من دمشق بسبب تهديد أمني، وأحياناً من قسد بحجة منع تهريب السلاح. وحتى عندما يُفتح المعبر، يكون التنسيق بين الطرفين شبه معدوم. نحن ندفع ثمن صراع القوى الكبرى على هذه الأرض". ويضيف: "من جهتنا نحاول توفير عبور إنساني للحالات الطارئة، لكننا مقيدون. بعض العائلات تقطع علاقاتها بسبب النهر؛ إذ لا يستطيع الابن في الضفة الشرقية حضور جنازة والده في الضفة الغربية. المشكلة أن الثقة منعدمة، وكل ورقة نمنحها يُشك فيها، وكل تصريح يُستخدم كورقة ضغط سياسي".

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: