درعا – نورث برس
مع بداية فصل الصيف، تتصاعد مؤشرات أزمة مياه حادة في الجنوب السوري، وتحديدًا في محافظة درعا. يعاني الآلاف من السكان في البلدات والقرى من جفاف عدد من الينابيع التي كانت تمثل شريان الحياة لهم. ومع ارتفاع درجات الحرارة، ضعف استجابة الجهات المعنية، وغياب الحلول البديلة، تتزايد مخاوف السكان من تفاقم الوضع.
أزمة متفاقمة
أنس الكراد، أحد سكان درعا البلد، يوضح لنورث برس أن أزمة المياه تتفاقم باستمرار، حيث لا تصل المياه من الشبكة الرئيسية إلا مرة واحدة كل ثمانية أيام، ولمدة لا تتجاوز ثلاث ساعات فقط. ويضيف أن هذه المدة غير كافية لتعبئة أكثر من خزانين، أي حوالي 2000 لتر، وهي كمية لا تكفي لأكثر من يومين لعائلة مكونة من خمسة أفراد. ويضطر الكراد لشراء مياه الصهاريج بشكل يومي تقريبًا، بمعدل خزان 1000 لتر في اليوم، بتكلفة 30 ألف ليرة سورية، أي حوالي ستة آلاف لتر أسبوعيًا، بالإضافة إلى ما يحصل عليه من الشبكة. ويشير إلى أن هذا الأمر يرهقه ماديًا ومعنويًا، خاصة في ظل محدودية الدخل.
جفاف الينابيع هو السبب الأبرز في تفاقم الأزمة، إلا أن تعدي بعض أصحاب المشاريع الزراعية على خطوط الضخ يزيد من حدتها. يقوم بعض المزارعين بفتح خطوط فرعية لسقاية المزروعات، رغم محاولات الجهات المعنية إغلاق هذه التعديات، التي تعود وتُفتح مرارًا دون اكتراث بالأثر الذي تتركه على السكان.
في منتصف العام 2016، جفت مياه سد درعا نتيجة لموجات الجفاف وغياب قوة رادعة لمحاسبة المعتدين على مصادر المياه ومحطاتها. كان السد يتغذى من عدة ينابيع، أهمها الأشعري والهرير وبحيرة المزيريب، عبر مجرور صناعي تم إنشاؤه عام 1995، لكن عملية ضخ المياه توقفت منذ بداية عام 2013 نتيجة تعرض المضخة الرئيسية لأعمال السرقة والتخريب بالتزامن مع موجات الجفاف.
تراجع المصادر المائية
المهندس عمر الجباوي، عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة والمياه والموارد المائية في محافظة درعا، يؤكد أن المحافظة تمر بأزمة حقيقية في قطاع المياه نتيجة تراجع المصادر المائية وارتفاع الطلب، خاصة مع دخول فصل الصيف. ويضيف الجباوي لنورث برس أن الواقع المائي يواجه تحديات متزايدة نتيجة تراجع غزارة الينابيع السطحية والآبار الجوفية بنسبة تقارب 40 بالمائة، بسبب التغيرات المناخية وقلة الهطل المطري، إضافة إلى الحفر العشوائي للآبار الزراعية، مما أدى إلى استنزاف الحامل المائي وتهديد الأمن المائي للمحافظة.
ويشير إلى أن الجهات المختصة وضعت خطة طارئة تشمل حفر آبار جديدة في المناطق الأكثر احتياجًا ضمن خطة عام 2025، وصيانة شبكات المياه وخطوط الدفع، إلى جانب إزالة التعديات ومعالجة الأعطال الطارئة بالتعاون مع المجتمعات المحلية. ويوضح الجباوي أن هناك تنسيقًا مع المنظمات الدولية ووزارة الموارد المائية لتأهيل منظومات مياه الشرب وضمان استمرارية الخدمة، رغم التحديات المرتبطة بالتمويل والإمكانات.
وفي تقييمه لأداء مؤسسة المياه، يقول الجباوي: “رغم الإمكانات المحدودة، تبذل المؤسسة جهودًا كبيرة من خلال صيانة المنظومات المائية والاستجابة السريعة للأعطال ومتابعة محطات الضخ والآبار، كما أُعدّت خطة استثمارية لعام 2026، بانتظار اعتمادها من الحكومة.” ويدعو مسؤول المياه والموارد المائية السكان إلى التعاون في ترشيد استهلاك المياه لضمان وصولها إلى كل بيت، لا سيما في الأحياء الواقعة بنهاية الشبكات.
بين الجهود الرسمية المتعثرة والمعاناة اليومية للسكان، تتفاقم أزمة المياه في درعا وتتصاعد الحاجة إلى تحرك عاجل وجاد من الجهات المحلية والدولية لتأمين هذا الحق الإنساني الأساسي، قبل أن تتحول أزمة العطش إلى كارثة صحية واجتماعية يصعب احتواؤها.
إعداد: مؤيد الأشقر – تحرير: خلف معو