الخميس, 14 أغسطس 2025 10:16 AM

البيانات قوة العصر: صراع السيادة الرقمية بين الدول وهيمنة الشركات

البيانات قوة العصر: صراع السيادة الرقمية بين الدول وهيمنة الشركات

في عصر الاقتصاد الرقمي، يبرز سؤال جوهري: هل تستطيع دولة حكم شعب لا تملك بياناته؟ في عالم اليوم، لم تعد القوة محصورة في عدد الجنود أو احتياطي النفط، بل في حجم البيانات وسرعة تحليلها. تتشكل معركة جديدة، غير مرئية ولكنها حاسمة: من يمتلك البيانات، يمتلك القرار.

هذه ليست مجرد عبارة رمزية، بل هي الواقع الجديد لعلاقات القوة بين الدول والشركات والمواطنين. البيانات اليوم هي الثروة الأكثر تأثيرًا في السياسات الاقتصادية، والصحة العامة، والأمن القومي، وحتى سلوك الأفراد. ولكن من يسيطر فعليًا على هذه الثروة؟ ومن يضع قواعد استخدامها؟ وهل الدول الأقل تقدمًا رقميًا تمتلك حق السيادة الرقمية؟

تحول المعركة: من الأرض إلى الخوادم

في الماضي، كان الصراع بين الدول يدور حول الأرض والمياه والمعابر. أما اليوم، فالصراع يدور حول الخوادم والبروتوكولات ومنصات تخزين البيانات. شركات مثل Meta أو Google تعرف عن الشعوب أكثر مما تعرف حكوماتها. منصات التجارة تمتلك أنماط الاستهلاك، وتطبيقات الصحة تتبع نبض القلب والنوم، والمصارف الرقمية تعرف تفاصيل كل عملية شراء وتحويل. السؤال الجوهري: هل يمكن لدولة أن تحكم شعبًا لا تملك بياناته؟

السيادة الرقمية: المفهوم الغائب

السيادة الرقمية لا تقتصر على امتلاك الدولة لخوادم محلية أو حجب بعض المواقع، بل تتعدى ذلك لتشمل:

  • من يملك البنية التحتية للإنترنت؟
  • من يحدد قوانين تخزين ومعالجة البيانات؟
  • من يراقب الذكاء الاصطناعي الذي يتخذ قرارات مصيرية؟
  • من يضمن أن بيانات المواطن لا تُباع أو تُستخدم ضده؟

في معظم الدول النامية، لا تُطرح هذه الأسئلة أصلاً. وفي بعضها، يُستخدم مصطلح "التحول الرقمي" كشعار استهلاكي، بينما تبقى البيانات في أيدي شركات خارجية، أو تُخزن بدون تنظيم أو حماية.

سيطرة الشركات: الخصوصية مقابل الخدمة

العلاقة بين المستخدم والمنصة الرقمية أصبحت صفقة خفية: "أعطني بياناتك، أعطك خدمة مجانية." لكن المستخدم لا يعلم كيف تُستخدم هذه البيانات: هل تُباع للمعلنين؟ هل تُحلل لتوجيه الرأي العام؟ هل تُستخدم لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي تتفوق على البشر؟ أما الدول، فإما شريكة ضمنًا في هذا النظام، أو غائبة عنه تمامًا.

خطر الفجوة الرقمية السيادية

الدول التي لا تطور منظومات حوكمة رقمية شفافة وعادلة، ستجد نفسها خارج منظومة القرار الدولي. في المقابل، تظهر نماذج عالمية بدأت تستعيد سيادتها الرقمية: أوروبا عبر قوانين GDPR وحماية البيانات الشخصية، والصين عبر منصات محلية تتحكم بكل المحتوى والبيانات، والهند من خلال بناء سحابة وطنية ومنصات حكومية واسعة النطاق. بينما تقف دول أخرى، ومن ضمنها معظم دول المنطقة، في موقع المتلقي، أو الأسوأ: المنكشف.

ما المطلوب الآن؟

  • إقرار قوانين واضحة لحوكمة البيانات، تُعلي مصلحة المواطن أولاً.
  • بناء مراكز بيانات وطنية تُدار بشفافية واستقلالية.
  • إطلاق منصات رقمية ذات سيادة، تخدم المواطن وتحفظ خصوصيته.
  • التعاون الإقليمي لبناء شبكات بيانات مشتركة تراعي القيم المحلية.

القرار لمن يملك المعرفة

في زمن الذكاء الاصطناعي، لم يعد السؤال فقط: من يملك الأرض؟ بل: من يملك الخوارزمية؟ من يحدد القيم التي تُبرمج بها؟ ومن يضمن أن الإنسان لا يصبح مجرد "مُدخل بيانات" في نظام لا يملك مفاتيحه؟ المعركة اليوم ليست بين الدول والشركات فقط، بل بين نموذجين للعالم: واحد يُدار من خلال المعرفة والسيادة، وآخر يُقاد من الخارج بصمت. وفي هذا الصراع، الصمت لم يعد خيارًا.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _النهار اللبنانية

مشاركة المقال: