الإثنين, 18 أغسطس 2025 12:38 AM

خان أسعد باشا: تحفة دمشقية تحكي تاريخ التجارة والثقافة

خان أسعد باشا: تحفة دمشقية تحكي تاريخ التجارة والثقافة

دمشق-سانا: بعيدًا عن صخب المدينة وضوضاء الحياة اليومية، يدعوكم خان أسعد باشا إلى ملاذٍ هادئ، حيث يمتزج الجمال الكلاسيكي مع عبق التاريخ. تستقبلك زهرة اللوتس عند المدخل والجدران الحجرية المزدانة بالأبيض والأسود، لتبدأ رحلة تأمل بين جدران تحكي قصص الماضي.

أفخم خانات دمشق وأكبرها

يُعتبر خان أسعد باشا، الذي شُيّد بأمر والي دمشق أسعد باشا العظم عام 1751، بعد أربع سنوات من بناء قصر العظم، من أفخم وأوسع خانات دمشق. بُني الخان على مساحة 2500 متر مربع في قلب سوق البزورية، جنوب شرق الجامع الأموي. وذكرت مديرة متحف الخان في دمشق، نوار السالم، في حديثها لـ سانا أن الهدف من بنائه كان تجاريًا، حيث كان محطة رئيسية للتجار القادمين عبر طريق الحرير حاملين معهم التوابل والمجوهرات والأقمشة. ومن هنا جاءت تسميته، فالخان هو النزل المخصص للتجار.

مكونات الخان ووظيفته التجارية

يتألف خان أسعد باشا من طابقين. يضم الطابق الأرضي 40 غرفة واسعة استُخدمت كمكاتب للتجار ومخازن للبضائع، بينما يحتوي الطابق العلوي على 44 غرفة كانت بمثابة أماكن إقامة للتجار والزوار. تطل كل جهة من الخان على الباحة الوسطى بثلاث شرفات. كما خُصصت غرفة مميزة في الطابق العلوي لـ "الخانجي"، وهو مدير الخان والمشرف على تنظيم شؤونه ومراقبة حركة دخول وخروج القوافل التجارية، بحسب السالم.

تحفة معمارية فريدة

يتميز الخان بتصميمه المربع وباحته الواسعة التي تتوسطها بحرة مضلعة تحيط بها أربعة أعمدة ضخمة تحمل ثماني قباب هندسية، صُممت لتوزيع الضوء والصوت بشكل مثالي. أما القبة التاسعة فتتمركز فوق البحرة، لتكون نافذة على السماء في ليالي الصيف ومصدرًا لمياه الأمطار في الشتاء، وفقًا للسالم.

وتضيف السالم أن الواجهة الرئيسية للخان تزداد روعةً بفضل بوابتها الخشبية الضخمة المصفحة بالحديد، وعلى جانبيها سبيلا ماء وثلاثة أعمدة حجرية تعلوها مقرنصات مزينة بكتابات وزخارف خطية مميزة.

الدور التجاري والاقتصادي

منذ افتتاحه، كان خان أسعد باشا وجهة رئيسية للقوافل التجارية القادمة إلى دمشق، حيث كانت تُفرغ البضائع في ساحته المركزية ليتم فرزها وعرضها وبيعها بطريقة جذابة، بحسب السالم، التي أوضحت أن الخان كان قلبًا نابضًا للتبادل التجاري لسنوات عديدة، قبل أن يتعرض لأضرار بالغة جراء الزلزال الذي ضرب دمشق عام 1759، ما أدى إلى تدمير أجزاء واسعة منه. ومع ذلك، استمر في أداء دوره حيث استُخدم لاحقًا كمستودع لبضائع تجار سوق البزورية المجاور.

أعمال الترميم والحفاظ

في عام 1980، استملكت المديرية العامة للآثار والمتاحف الخان لتبدأ رحلة طويلة من الترميم والصيانة بهدف الحفاظ على هذا المعلم الأثري. جرى ترميم الأرضيات والأعمدة والأبواب والبحرة المركزية، إضافة إلى الواجهة الحجرية الشهيرة خلال العام الماضي، والتي تُعد من أجمل واجهات المباني التراثية الدمشقية. كما تواصل المديرية، بحسب السالم، تنفيذ أعمال الترميم بشكل دوري للحفاظ على القيمة التاريخية والجمالية للخان.

خان أسعد باشا اليوم: فضاء للثقافة والفن

بعد أن كان مقرًا للتجار، أصبح خان أسعد باشا اليوم متحفًا مفتوحًا للزوار والوفود السياحية، وفضاءً يحتضن فعاليات ثقافية وأدبية وفنية متنوعة. وأوضحت السالم أنه في أروقته وباحته المركزية تقام الأمسيات الشعرية والعروض الموسيقية والمعارض الفنية، إضافة إلى حفلات خاصة ومناسبات اجتماعية، مشيرةً إلى أن أعداد الزوار ازدادت بشكل ملحوظ بعد التحرير، وتحول الخان إلى مقصد لكل من يرغب في التعرف على عبق التاريخ الدمشقي.

تحفة تتوارثها الأجيال

خان أسعد باشا ليس مجرد مبنى أثري، بل هو شاهد حي على تاريخ دمشق الاقتصادي والثقافي، ورمز من رموز حضارتها العريقة. إنه المكان الذي يختصر رحلة قرون من التبادل التجاري، ويحمل بين جدرانه قصص قوافل عبرت، ولقاءات تجار من الشرق والغرب، ليظل حتى اليوم منارة ثقافية وسياحية تضيء وجه العاصمة السورية.

مشاركة المقال: