الإثنين, 18 أغسطس 2025 06:51 PM

إلغاء "كرنفال مرمريتا" هذا العام حدادًا على أرواح الشهداء

إلغاء "كرنفال مرمريتا" هذا العام حدادًا على أرواح الشهداء

عنب بلدي – سدرة الحريري – بعد سبع سنوات من عودته، غابت مظاهر الفرح عن شوارع بلدة مرمريتا، حيث أعلنت اللجنة المنظمة إلغاء فعاليات "كرنفال مرمريتا" لهذا العام، والتي كان من المقرر إقامتها في 14 آب الحالي. جاء هذا القرار "وفاء لأرواح شهداء تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق، وشهداء الساحل والسويداء"، إضافة إلى مراعاة الظروف العامة التي لا تحتمل احتفالات ضخمة.

أوضح جورج شوك، عضو اللجنة التنظيمية، أن الوضع الراهن لا يسمح بإقامة احتفالات كبيرة كـ"كرنفال مرمريتا"، الذي يتميز بحضور جماهيري واسع وفعاليات متنوعة. وأضاف أن الإلغاء يأتي حدادًا على أرواح شهداء سوريا. وأشار إلى أن السلطات قدمت كل التسهيلات لإقامة الكرنفال، لكن اللجنة فضلت أن يكون هذا العام استراحة للعودة بشكل أفضل في العام المقبل.

على مدى 12 عامًا، عانى السوريون من ويلات الحرب التي تركت آثارًا عميقة على المدن السورية. وكانت حمص من أوائل المحافظات التي شهدت مآسي وعمليات عسكرية أدت إلى سقوط ضحايا مدنيين ودمار وتهجير. توقف "كرنفال مرمريتا" لمدة خمس سنوات متتالية، من عام 2011 حتى عام 2015، قبل أن يعود بشكل عفوي في عام 2016، ويستعيد طابعه الرسمي في عام 2017.

ما "كرنفال مرمريتا"؟

في قلب وادي النصارى بريف حمص، تتحول بلدة مرمريتا في 14 آب من كل عام إلى مسرح مفتوح للألوان والموسيقى والقصص الحية، مع انطلاق "كرنفال مرمريتا" الذي يعود تاريخه إلى عام 1975، احتفاء بعيد السيدة العذراء، الذي يرمز في المعتقد المسيحي إلى انتقال مريم العذراء إلى السماء.

منذ ساعات الصباح، تبدأ ساحة القرية بالامتلاء بمجموعات من أبناء البلدة وزوارها، الذين يأتون من مختلف المحافظات السورية. يرتدي المشاركون أزياء تنكرية تحاكي أحداثًا تاريخية وقضايا اجتماعية وشخصيات رمزية، ويصطفون استعدادًا لمسيرة تتنافس فيها الفرق على أفضل عرض قصصي، وسط أجواء غامرة بالتصفيق والهتافات.

تجوب العروض الكشفية شوارع البلدة على وقع الطبول والموسيقى، فيما يُزيَّن تمثال السيدة العذراء بالورود ويحمل في موكب احتفالي يتجه نحو "جبل السيدة". هناك تنقسم الجموع بين من يواصل الاحتفال في البلدة، ومن يختار إحياء الليلة على قمة الجبل، في مشهد يختلط فيه البعد الروحي بالبهجة الشعبية.

ما يمنح "الكرنفال" نكهته الخاصة هو أنه مساحة مفتوحة للجميع، حيث يلتقي المسلمون والمسيحيون دون حواجز، يتبادلون الغناء والرقص ويشاركون لحظات الفرح نفسها، كما تؤكد اللجنة المنظمة، التي ترى فيه "جسرًا للمحبة والسلام، يبقى حاضرًا رغم كل ما مر على البلاد".

احتفال تجاوز الحدود الدينية

لا يذهب الزوار إلى مرمريتا في 14 آب فقط من أجل الاحتفال بعيد السيدة العذراء، بل لأن "الكرنفال" تجاوز منذ سنوات حدوده الدينية، ليصبح مناسبة اجتماعية واسعة تحاكي كل المجتمع السوري.

سارة خوري (20 عامًا) ابنة مدينة السويداء، وهي طالبة جامعية، تحدثت لعنب بلدي عن زيارتها لـ"الكرنفال": "في مرمريتا هناك أكلات وتراث خاص غير موجود في أي منطقة أخرى". وسط الأزياء الملونة وقرع الطبول، تمتد رائحة "الهريسة" في الأزقة، وهي الطبق الأبرز في عيد السيدة، وهي عبارة عن لحم غنم مسلوق مع القمح، "مُتبّل بمزيج من البهارات"، ويقدَّم للضيوف كجزء أصيل من الاحتفالات. لا يُعتبر تناولها مجرد وجبة، بل هو طقس جماعي يربط الناس بالموروث المحلي.

ورغم ارتباط "الكرنفال" بجذوره الدينية، تحوّلت ساحته الرحبة إلى مساحة مدنية مفتوحة، حيث يتقاسم المسلمون والمسيحيون الغناء والاحتفال، مردّدين الأغاني الشعبية الخاصة بالبلدة. علاء قسّام، شاب مسلم من دمشق، وصف، لعنب بلدي، تجربته في العام الماضي: "لم أشعر أني ضيف، كنا جميعًا نحتفل وكأننا عائلة واحدة، وهذا هو أجمل ما في (الكرنفال)".

تتوارث البلدة رسالة بسيطة وعميقة في أن المحبة والسلام قادران على جمع السوريين مهما فرّقتهم الأزمات. بالنسبة لأهالي مرمريتا، لا يُختزل "الكرنفال" في الاستعراضات والعروض، بل في الرسالة التي يحملها وهي أن المحبة والسلام والألفة يمكن أن تبقى حيّة. وفي هذا قالت مرح (18 عامًا)، لعنب بلدي، وهي تستعيد ذكرياتها من "الكرنفال" الماضي: "كنت زائرة ولا أعرف أحدًا سوى أصدقائي الذين خرجت معهم، لكنني كنت أشعر هناك أني أعرف الجميع وأحبهم". وأضافت: "اكتسبت الكثير من الأصدقاء بعد (الكرنفال) ونتواصل حتى اليوم".

ختمت الفتاة العشرينية: "عندما يحين موعده من جديد، سيجد القادمون من كل مكان أن الساحة ذاتها ما زالت تحتضنهم، وأن الفرح، كما اعتادوا، لا يحتاج إلى دعوة، بل يكفي أن تأتي لتجد نفسك جزءًا من عائلة كبيرة اسمها مرمريتا".

مشاركة المقال: