الثلاثاء, 19 أغسطس 2025 05:02 PM

الدولار يلهب الأسعار في سوريا: هل الإنتاج المحلي والسياسة النقدية الجديدة هما الحل؟

الدولار يلهب الأسعار في سوريا: هل الإنتاج المحلي والسياسة النقدية الجديدة هما الحل؟

د. سلمان ريا: يواجه المواطن السوري اليوم تحدياً مضاعفاً، فحرارة الصيف لم تعد التحدي الوحيد، بل تضاف إليها وطأة ارتفاع سعر الدولار. الأسابيع الأخيرة شهدت ارتفاعاً متسارعاً في الأسعار نتيجة لتضافر عاملين: الظروف المناخية وتقلبات العملة.

فموجة الحر الشديدة أدت إلى تراجع الإنتاج الزراعي وزيادة تكاليف التخزين والنقل، بينما ساهم صعود الدولار مقابل الليرة في رفع كلفة الاستيراد والمواد الأولية والطاقة. هذا الوضع وضع السوق السورية في مواجهة معادلة صعبة: ندرة في العرض المحلي وتضخم مستورد من الخارج.

لفهم هذه الموجة التضخمية، يجب تجاوز التفسيرات السطحية والتعمق في دراسة البنية الاقتصادية والنقدية. يعتمد الاقتصاد السوري منذ سنوات على الاستيراد لتغطية النقص في الغذاء والطاقة والدواء، مما يجعل الأسعار مرتبطة بتقلبات الأسواق العالمية. ومع اضطراب سلاسل التوريد نتيجة الحروب والأزمات الجيوسياسية وارتفاع كلفة الشحن والتأمين، أصبح استقرار السوق الداخلية مرتبطاً بظروف دولية خارجة عن سيطرة البلاد.

أما على الصعيد النقدي، فالوضع أكثر هشاشة. السياسة النقدية الحالية ما زالت تعتمد على الأدوات الإدارية: تحديد أسعار صرف شكلية، وضخ متقطع للقطع الأجنبي، وتشديد القيود على الحوالات. هذه الإجراءات قد تبدو محاولة للسيطرة، لكنها في الواقع تغذي السوق السوداء وتزيد من المضاربة. والنتيجة هي استمرار انفلات سعر الصرف، مما يؤدي إلى تضخم مزمن يضعف القدرة الشرائية للمواطنين.

مقارنة بتجارب إقليمية أخرى تظهر حجم التحدي. ففي مصر، مثلاً، أدى تحرير تدريجي للجنيه وتبني سياسات دعم مشروطة من صندوق النقد إلى تحقيق استقرار نسبي في سعر الصرف، وإن كان ذلك بثمن اجتماعي باهظ. أما في لبنان، حيث غابت المعالجات الجدية وتفككت المؤسسات، فقد تحولت الليرة إلى عملة متآكلة فقدت معظم قيمتها، وانزلق الاقتصاد إلى التضخم المفرط. الحالة السورية تقع بين هذين المثالين: هناك إدارة نقدية ترفض الاعتراف بضرورة الإصلاح العميق، ولكنها أيضاً غير قادرة على كبح الانهيار بالوسائل الإدارية وحدها.

يعلمنا الاقتصاد النقدي أن التضخم ليس مجرد ارتفاع في الأسعار، بل هو فقدان العملة لوظيفتها كمخزن للقيمة ووسيط للتبادل. ومع تراجع الثقة بالليرة، يتجه التجار والمستهلكون إلى تسعير سلعهم بالدولار أو ما يعادله، مما يخلق حلقة تضخمية يصعب كسرها بالتدخل الإداري وحده. الحل لا يكمن في ملاحقة السوق السوداء، بل في إعادة التوازن بين العرض والطلب على النقد الأجنبي من خلال سياسات إنتاجية وتجارية واقعية.

الخروج من هذه الدوامة يتطلب استراتيجية مزدوجة:

  1. تعزيز الإنتاج المحلي، خاصة في الزراعة والصناعة الخفيفة، لتقليل الاعتماد على الاستيراد وتخفيف أثر الصدمات العالمية.
  2. إعادة هيكلة السياسة النقدية بحيث تنتقل من النهج الإداري إلى الأدوات الاقتصادية العلمية: تحرير تدريجي للسعر، وضبط السيولة بما ينسجم مع حجم الاقتصاد الحقيقي، وتوفير بيئة تشجع على إعادة الثقة بالعملة الوطنية.

(موقع اخبار سوريا الوطن-1)

مشاركة المقال: