سامر ياسين – نورث برس
تعاني مدينة الحسكة من أزمة إنسانية متفاقمة نتيجة انقطاع مياه الشرب المستمر منذ سنوات، مما اضطر مئات الآلاف من السكان إلى الاعتماد على صهاريج خاصة تنقل مياهاً غير خاضعة للرقابة الصحية. وأكد أطباء وسكان في المدينة أن هذه المياه الملوثة أصبحت السبب الرئيسي في انتشار الأمراض المعوية والمعدية، خاصة بين الأطفال، وسط غياب أي تدخل فوري لوضع حد لهذه المعاناة اليومية.
تعتمد الحسكة بشكل كامل على محطة علوك الواقعة في ريف سري كانيه/رأس العين الشرقي لتأمين مياه الشرب، إلا أن المحطة توقفت عن ضخ المياه بسبب قطعها من قبل تركيا وفصائل مسلحة موالية لها منذ سيطرتها على المنطقة في عام 2019.
“المياه الملوثة تقتل أطفالنا”
وصف عبد الرزاق الحشو، أحد سكان حي الغويران في الحسكة، وضع مياه الشرب في المدينة بالكارثي. وأضاف: “هذه المياه قتلتنا تماماً. قبل أيام، اشتريت خزان مياه على أنه صالح للشرب، ولكن لولا وضعي الاقتصادي، لكنت أفرغته في الأرض لأنه لا يصلح للشرب ولا للطبخ ولا لأي شيء آخر. حتى نشربه، ننتظر أن يبرد قليلاً لنتجاوز طعمه السيئ ونتغاضى عن عدم نظافته”.
وأشار الحشو في حديثه لنورث برس إلى أن “أصحاب الصهاريج يدعون أن المياه من مصدر معين، لكنها في الحقيقة تأتي من مكان آخر ملوث، والنتيجة هي أمراض لا تتوقف. أطفالي يعانون من الإسهال بشكل دائم، وابنتي الصغيرة، عمرها سنتان ونصف، تعبت منذ أكثر من أسبوع ولا تستطيع الاحتفاظ بأي طعام”.
ويتحسر عبد العزيز على أن شكاوى السكان لا تجد أي استجابة، على الرغم من تزايد حالات التسمم والإسهال في مشافي الحسكة، مشيراً إلى أن هناك عائلات فقيرة كثيرة لا تستطيع حتى مراجعة الطبيب. وأكد الحشو أنه على الرغم من كل هذه المعاناة، لا توجد أي رقابة حقيقية على مصادر المياه أو اهتمام حكومي لحمايتهم من هذا الخطر اليومي المستمر.
رائحة المياه كريهة
وفي حي العزيزية بالحسكة، تحدث رفعت الحسن عن معاناة لا تنتهي مع المياه التي تصلهم من المنظمات بشكل نادر كل شهرين، ووصفها بأنها مياه “مليئة بالدود” وغير صالحة للشرب. وقال لنورث برس: “هذه المياه تسبب أمراضاً مزمنة وتكراراً للزيارة إلى المشفى الوطني حيث يبقى لأسابيع بسبب مضاعفات هذه المياه”.
وأضاف: “أنا أصبت بأمراض عديدة بسبب هذه المياه، حاولت استخدام مواد لتنظيفها لكن دون جدوى، حتى رائحتها كريهة جداً”. وأوضح الحسن أن أغلب مصادر المياه في الحسكة غير نظيفة، وأن الأسعار المرتفعة للمياه الصالحة تكاد تكون خارج قدرة العائلات الكبيرة مثل عائلته، إذ تصل تكلفة 5 براميل إلى 35 ألف ليرة سورية.
وتابع: “المياه الملوثة تسبب أمراضاً جرثومية وأمراضاً في الكلى، وأنا واحد من ضحايا هذه الأمراض، قضيت أكثر من شهر في القامشلي للعلاج”. وفي نهاية حديثة، تساءل رفعت الحسن: “لماذا كل المناطق الأخرى لديها مياه نظيفة ونحن فقط من نعاني؟”.
آلاف المرضى شهرياً
أكد إبراهيم مشهد، وهو طبيب مقيم بقسم الإسعاف في مستشفى الشعب (المشفى الوطني) في الحسكة، أن المدينة تعاني يومياً من عشرات حالات التهاب المعدة والأمعاء الناتجة عن شرب مياه ملوثة وغير صالحة. وذكر لنورث برس: “نستقبل يومياً عشرات الحالات، أغلبهم أطفال يعانون من الاستفراغ، الإسهال، المغص، وارتفاع الحرارة، وفي بعض الحالات تصل إلى الجفاف الذي قد يهدد حياتهم”.
وأضاف: “شهرياً نسجل حوالي 6 آلاف حالة، تبدأ من الرضع وصولاً إلى الأطفال بعمر 10 سنوات، وغالباً تكون أعراضهم هضمية حادة، والجفاف نتيجة الإهمال في العلاج قد يؤدي إلى قصور في الأعضاء وحتى الوفاة”.
وأشار مشهد إلى أن كبار السن أيضاً من الفئات المعرضة للخطر، خصوصاً المرضى المزمنين مثل السكري وارتفاع الضغط، حيث تزيد أمراض المعدة والتسمم من معاناتهم الصحية. وأوضح أن تفاقم هذه الأمراض يُزيد من تفاقم هذه الأمراض بسبب ارتفاع الطلب على المياه، “التي تعتبر أغلبها ملوثة تحت تأثير الحرارة المرتفعة”، مما يضاعف خطر التسمم والأمراض المعوية في المدينة.
تحرير: عبدالسلام خوجة