الأحد, 24 أغسطس 2025 07:41 PM

أسعار العقارات في دمشق تتحدى الأزمات وتنافس المدن العالمية: المالية تعد بحلول تمويلية

أسعار العقارات في دمشق تتحدى الأزمات وتنافس المدن العالمية: المالية تعد بحلول تمويلية

عنب بلدي – وسيم العدوي | محمد كاخي

كانت دمشق في عام 2010، قبل اندلاع الثورة السورية بعام، تعتبر من بين أغلى مدن العالم من حيث أسعار العقارات. وأشارت دراسة لمؤسسة "كوشمان وويكفيلد"، المتخصصة في رصد أسعار العقارات عالميًا، إلى أن العاصمة السورية احتلت المرتبة الثامنة بين أغلى عشر مدن في العالم فيما يتعلق بمؤشرات أسعار المكاتب والعقارات.

واليوم، وبعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، لا تزال دمشق تحتفظ بمكانتها كإحدى أغلى مدن العالم في أسعار العقارات، وفقًا لرصد أجرته عنب بلدي. وتظهر الأسعار تباينًا ملحوظًا عند مقارنتها بالدول المجاورة والعالم، ففي أحياء مثل المالكي وأبو رمانة والمزة فيلات والميدان والزاهرة، تُسجل أسعار مرتفعة تتجاوز القدرة الشرائية لمعظم السكان، على الرغم من الركود وضعف الطلب الحقيقي الذي يعاني منه السوق، بحسب الخبيرة العقارية فادية عبد النور.

مقارنة بمدن مثل دبي ومدن أمريكية

تتقارب أسعار بعض العقارات في دمشق مع أسعار الشقق السكنية في عواصم أوروبية أو مدن معروفة بنشاط تجارة العقارات الفاخرة مثل دبي، وذلك استنادًا إلى أسعار العقارات التي تتبعتها عنب بلدي في موقع شركة "Jones Lang LaSalle Incorporated" العالمية الرائدة في مجال الخدمات العقارية وإدارة الاستثمارات والعقارات التجارية، وبأسعار عقارات في مدن بعض الولايات الأمريكية، مع الأخذ في الاعتبار المساحة المقدرة للعقار، وفقًا لمنصة "Redfine" المتخصصة في أسعار العقارات.

وعلى الرغم من ظروف الحرب وتراجع الاقتصاد، لا تزال سوق العقارات في مدن مثل دمشق وحلب تضاهي أغلى الأسواق العقارية مقارنة بالدخل المحلي.

تفسيرات الخبراء

أدى التدهور الكبير في الاقتصاد السوري خلال السنوات الماضية إلى ضعف القوة الشرائية وانخفاض قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، مما أدى إلى تضخم أسعار العقارات بالليرة السورية، خاصة في المناطق الآمنة التي شهدت زيادة في الطلب.

أوضح الدكتور أشرف دوابة، أستاذ التمويل والاقتصاد في جامعة "اسطنبول صباح الدين زعيم" ورئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي (إيفي)، أن تدمير النظام المخلوع للعديد من الأحياء والمساكن أوجد طلبًا مرتفعًا في سوق العقارات مع محدودية المعروض، مما أثر سلبًا على الأسعار وأدى إلى ارتفاعها.

من جهتها، ترى الخبيرة العقارية فادية عبد النور أن ارتفاع أسعار مواد البناء والإكساء، نظرًا لاستيراد معظمها، ساهم جزئيًا في ارتفاع أسعار العقارات. ومن الطبيعي أن تكون أسعار العقارات في سوريا خلال السنوات الماضية أعلى من أسعار العقارات في بعض دول الجوار، مثل تركيا، لأن الأخيرة دولة كبيرة وقوية اقتصاديًا ومستقرة سياسيًا، وتضم مصانع لإنتاج مواد البناء مثل الحديد والأسمنت وغيرها.

وعلى الرغم من ارتفاع سعر الليرة السورية مقابل الدولار بعد سقوط النظام السوري السابق في 8 كانون الأول 2024، فإن تأثير ذلك على قيمة مواد البناء الرئيسة محدود ولا يتجاوز نسبة 15% من التغير الكلي الطارئ على سعر الدولار، مع الإشارة إلى وجود عوامل أخرى تؤثر على تكلفة البناء، وفقًا للخبيرة العقارية فادية عبد النور.

وأشارت الخبيرة إلى أنه بالرغم من الانخفاض الذي طرأ على سعر مادة الأسمنت، فقد شهدت أسعار اليد العاملة الفنية المتخصصة وتكلفة نقل المواد وتحميلها ارتفاعًا كبيرًا، وبالتالي يمكن القول إن قيمة مواد البناء ليست العامل الحاسم في تقدير قيمة العقارات.

العامل الأساسي الذي يثقل قيمة العقارات، وفقًا لعبد النور، هو الموقع الجغرافي وقيمة الأراضي، حيث يوجد سقف لأسعار العقارات في كل منطقة في سوريا عمومًا وفي دمشق خصوصًا، وقد يتغير هذا السقف بنسب بسيطة صعودًا أو هبوطًا، ولكنه يبقى الأساس في تقييم العقار. واستخدام مواد ذات جودة ممتازة لبناء وإكساء عقار في موقع جغرافي ضعيف نسبيًا لا يرفع من قيمة العقار بما يتناسب مع تكلفة البناء والإكساء الكبيرة.

كما تلعب نوعية الملكية دورًا في تحديد قيمة العقارات، فقيمة العقارات المسجلة في مديرية المصالح العقارية أو السجل المؤقت (وسط دمشق) تختلف عن قيمة العقارات الواقعة في أطراف المدينة والمسجلة لدى جهات أخرى (مثل مؤسسة الإسكان العسكرية، تنفيذ الإنشاءات، حكم محكمة، الكاتب العدل)، مما يؤكد أن الموقع الجغرافي هو الأساس والعامل الحاسم في تحديد قيمة العقارات.

"المالية" تعد أصحاب الدخل المحدود

أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، في منشور عبر "فيسبوك" في 12 تموز الماضي، أنه في إطار العمل على تلبية تطلعات الشباب السوري للحصول على سكن لائق في سن مبكرة، "أُسهم في وضع القانون (39) الذي تضمن نظامًا متكاملًا للتمويل العقاري، ويراعي احتياجات الواقع، ويضع أسسًا عملية ومستدامة لهذا القطاع الحيوي".

ويتضمن النظام، بحسب حصرية، إحداث هيئة التمويل العقاري كجهة ناظمة، تُعنى بتنظيم وتمكين القطاع، وصندوق للضمان وتطوير مهنة التقييم العقاري، إلى جانب إطلاق مؤسسة وطنية للتمويل العقاري، وتمكين شركات تمويل خاصة تعمل ضمن ضوابط واضحة.

أوضحت المديرة العامة لهيئة الإشراف على التمويل العقاري، انتصار ياسين، لعنب بلدي، أن الأسعار المرتفعة للعقارات في دمشق تعزى إلى كونها العاصمة ومركز سوريا الاقتصادي والاجتماعي، وإلى قلة المشاريع السكنية، وبالتالي تخضع السوق العقارية لقانون العرض والطلب، مما يؤثر على أسعار العقارات ويحرم أصحاب الدخول المنخفضة من العاملين أو أصحاب المهن من امتلاك منزل في مدينة دمشق.

ويتمثل دور هيئة الإشراف على التمويل العقاري في تنظيم قطاع التمويل العقاري والإشراف عليه لتعزيز دوره في الاقتصاد الوطني، وتنظيم سوق التمويل العقاري وتنمية المدخرات فيه، بالإضافة إلى إلزام الجهات التي تقوم بالتمويل العقاري بقواعد ممارسة المهنة لتقديم خدمات أفضل للمستفيدين من التمويل العقاري، بحسب ياسين.

وأشارت ياسين في حديثها إلى عنب بلدي إلى أن من أهم أهداف الهيئة توفير التمويل لمختلف فئات المجتمع وفقًا لاحتياجاتها وإمكاناتها المالية، مع مراعاة أصحاب الدخول المحدودة ومتوسطة الدخل والأسر الجديدة، وذلك بالعمل على تخفيض تكلفة الإقراض وتوفير قنوات الادخار والاستثمار.

وبحسب حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، فقد تم الاستناد إلى التجربة الدنماركية والكندية في بناء نموذج متقدم للتمويل العقاري في سوريا.

وأوضحت مديرة "الهيئة"، انتصار ياسين، أن التجربة الكندية تميزت بنجاحها في إنشاء سوق عقارية محلية متخصصة بالإسكان، وكان من أبرز ملامحها تنوع خيارات التمويل والتركيز على الإسكان ميسور التكلفة والمدعوم، وهذا الأمر أحد الأهداف الأساسية لإحداث هيئة الإشراف على التمويل العقاري في سوريا، وهو العمل على توفير التمويل لأصحاب الدخول المنخفضة عبر أدوات تمويلية متعددة، ووفق شروط محددة، يمكن توفرها من خلال صندوق دعم التمويل العقاري الذي يمكن إحداثه لاحقًا.

وتابعت ياسين أن الخطوات التكميلية لخطوة إنشاء "الهيئة" كإصدار صندوق الضمان العقاري، وإحداث المؤسسة الوطنية للتمويل العقاري، وصندوق دعم التمويل العقاري، قد يساعد أصحاب الدخول المنخفضة في الحصول على التمويل لشراء منزل بفوائد مخفضة عبر أدوات تمويلية متعددة منها "الإجارة المنتهية بالتمليك".

حركة "جامدة" واستثمارات مرتقبة

شهدت سوق العقارات في دمشق وضواحيها جمودًا في عمليات بيع وشراء الشقق السكنية، خاصة بعد سقوط نظام الأسد، وتوقف الدوائر الحكومية التي تجري معاملات التسجيل والفراغ العقاري ونقل الملكية، منذ 8 كانون الأول 2024 وحتى تموز الماضي.

وأثرت قلة السيولة النقدية بين أيدي الناس وتذبذب سعر صرف الدولار على أسعار العقارات منذ التحرير، باعتبار أن القيمة المادية لأي عقار تحدد به.

أفادت الخبيرة العقارية فادية عبد النور لعنب بلدي بأن أسعار العقارات حاليًا ترتبط بالمسار الأمني والسياسي والاقتصادي، والتي أدت جميعها إلى جمود في حركة بيع وشراء العقارات في سوريا، إلا أن هذا الجمود لم يؤثر بشكل مباشر وكبير على قيمة العقارات التي بقيت ثابتة نوعًا ما بالدولار الأمريكي، وتُستثنى من ذلك بعض البيوع الخاضعة لظروف اضطرارية واستثنائية لا يمكن الاعتداد بها.

وبالتالي، يمكن القول إن الأسعار الحالية للعقارات هي حقيقية وليست مجرد تضخم وهمي، وإذا بقيت الأمور على حالها فلن يتغير شيء، وإذا تحسنت الأوضاع سترتفع قيمتها حتمًا، بحسب عبد النور.

ترى عبد النور أن العديد من المناطق تبقى مستهدفة من قبل شرائح معينة من المواطنين المعتادين على العيش فيها، فعلى سبيل المثال، هناك علاقة وثيقة بين حي الميدان بدمشق وبين سكانه، وكذلك الأمر بالنسبة لحي المالكي، وحي اليرموك، وحي القصاع، مما يؤدي إلى الاستمرار في الطلب على العقارات فيها، وبالتالي إلى ثبات سعرها.

وتحلل عبد النور مشهد الاستثمارات السكنية الكثيرة التي تم الإعلان عنها في المؤتمرات الاستثمارية بدمشق، وأثرها على أسعار العقارات، من خلال التفريق بين نوعين من الأبراج السكنية المعلن عنها:

  • الأبراج السكنية الشعبية التي تمس احتياجات أغلبية الأسر للسكن: باعتبار أن هذه الأبراج ستنفذ لحل مشكلة السكن للشريحة التي لا تملك الإمكانيات المادية الكبيرة والتي تحتاج إلى الإيواء، فلن تكون أسعارها منافسة لأسعار سوق العقارات، وبالتالي لن تؤثر على قيمة العقارات.
  • الأبراج السكنية التي تستهدف شريحة معينة من السوق: في حال كانت هذه الأبراج تمتلك ميزات فنية تنظيمية جيدة (خدمات، وجائب، مرائب، حدائق، ملاعب...)، وكانت أسعارها منافسة لأسعار العقارات الواقعة بمناطق مماثلة، فإن من المتوقع أن يؤدي دخول هذه الأبراج مرحلة التنفيذ الفعلي إلى رفع أسعار العقارات الواقعة بأطراف المدينة.
مشاركة المقال: