الإثنين, 25 أغسطس 2025 07:40 PM

جدل في كلية الفنون الجميلة بدمشق حول منع استخدام "الموديل العاري": هل هو تراجع فني أم حفاظ على القيم؟

جدل في كلية الفنون الجميلة بدمشق حول منع استخدام "الموديل العاري": هل هو تراجع فني أم حفاظ على القيم؟

أثار قرار صادر عن كلية الفنون الجميلة بدمشق، يمنع تشكيل أعمال فنية تعتمد على "الموديل العاري" في النحت والتصوير والحفر، نقاشًا حادًا بين مؤيدين ومعارضين.

يرى المؤيدون أن هذا القرار، الذي صدر في 14 آب، يهدف إلى الحفاظ على القيم والأخلاق المجتمعية. بينما يعتبر المعارضون أن هذا القرار يمثل تراجعًا فنيًا ويؤثر سلبًا على التعليم الأكاديمي الذي يعتمد على دراسة التشريح البشري لتنمية المهارات اللازمة.

"قرار متأخر"

الطالبة تاليا المصري، في السنة الرابعة، وصفت القرار بأنه متأخر، موضحة أنه "صدر بعد مناقشة الطلاب مع المشرفين على مشاريع تخرجهم، وتم الأخذ بعين الاعتبار جميع الملاحظات حيث بدأ الطلاب العمل على مشاريعهم".

تعمل تاليا على مشروع تخرجها منذ شهرين، وتدور فكرته حول "التحرر"، بينما تركز دراستها خلال السنوات الأربع الماضية على التشخيص الحيواني أو الإنساني دون الخروج عن الأدب، بحسب قولها لعنب بلدي. واعتبرت أنه "من غير المنطق أن ينجذب شخص إلى تمثال"، مشيرة إلى أن "هذا الشيء يمثل ضعفًا لدى الشخص الذي ينجذب، وهو لا يخالف الدين وليس مخلًا بالآداب العامة".

ونصحت تاليا أصحاب القرار بـ"أن يأتوا إلى الكلية وأن يروا الأعمال التي يعمل عليها الطلبة ثم يصدرون القرارات"، معربة عن قلقها من ضيق الوقت، حيث لم يتبق على تسليم المشاريع سوى أسبوع واحد فقط، وهو وقت قليل لا يسمح لها باستبدال المشروع أو الفكرة التي بدأت العمل عليها.

القرار يستهدف التدريس الأكاديمي

اعتبر عبد الله اليوسف، وهو طالب سنة رابعة، أن المشكلة في هذا القرار تكمن في استهدافه للتدريس الأكاديمي، موضحًا أن "المنهاج يعتمد على مادة التشريح التي تعتمد على النماذج التشريحية للعضلات والحركات والنسب والأطوال". وتساءل عن كيفية إعطاء المناهج للطلاب، مؤكدًا أن النحت خصوصًا لا يمكن أن يدرس دون نماذج تشريحية.

وأشار إلى أن الكلية لا تستخدم أساسًا الموديل الحي العاري، بل نماذج جصية، مبينًا أن "عميد الكلية وجه الطلاب بإكمال مشاريع تخرجهم التي بدأوها وسيتم تحكيمها بناءً على مدى جمالها".

ثقافة المجتمع السوري

من جهته، يرى أحمد بلان، طالب السنة الرابعة، وجاهة في القرار من ناحية ثقافة المجتمع السوري التي "لا تسمح أن يتم العمل على الموديل العاري الحي، ويتم استبداله لتعليم التشريح الفني وأسس الفن بقطع جصية تمثل العضلات ومحاور الجسد والاستفادة منها".

لكنه في الوقت ذاته يشير إلى أن مشروع التخرج يكلف مبالغ مالية باهظة إضافة إلى الجهد الجسدي الذي يبذله الطلاب لإنجازه، بحسب بلان. وحذر من الآثار الثقافية للقرار، قائلًا إن "الفن هو الواجهة الثقافية لأي بلد، لأن كل البلاد الأخرى تنظر إلى الفن والشعر والكتاب الموجودة في بلدنا لتقيمها، ومن أصدر القرار ليس له دراية بالفن السوري الممتد عبر قرون"، مشيرًا إلى أن "القرار يحد من سوية الإبداع، والفن لا يوجد له حدود".

القرار قديم ومطبق

من جهته، أوضح عميد كلية الفنون الجميلة، الدكتور فؤاد دحدوح، أنه لا شيء جديد في القرار الذي تم إصداره، وأن التوجيه الذي اتخذه معاون وزير التعليم العالي استند إلى قرارات سابقة.

وأضاف أنه في جمهورية مصر العربية اتخذ الأزهر قرارًا بمنع الموديل العاري الحي وتم تبنيه من قبل كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وبفعل التوأمة بين سوريا ومصر لأن كلية الفنون في دمشق أحدثت عام 1960 بزمن الوحدة، صدر قرار مماثل له. وأكد أنه لا توجد كلية في الوطن العربي تسمح بالموديل العاري الحي، وأن الكلية تحتوي على نماذج تشريحية مثل الموجودة بكل متاحف العالم.

ودعا دحدوح إلى أن تكون هناك كليتان: واحدة توجد فيها تشكيلات نحتية وقسم نحت وتصوير وحفر، وأخرى تحوي على زخرفة والجرافيك والملتيميديا والعمارة الداخلية. وردًا على المخاوف من تأثير القرار على الإبداع، قال إنه لا يوجد تأثير سلبي على القيم الجمالية للفن. وأكد أن الطلاب سيكملون مشاريعهم وتشكيلاتهم الإنسانية اعتمادًا على نماذج جصية وتشريحية، ولا توجد مشكلة لديهم، ولن يؤثر القرار سلبيًا عليهم.

يعتمد التعليم الأكاديمي في كليات الفنون حول العالم على دراسة التشريح البشري، بما في ذلك الموديل العاري، لتطوير مهارات الطلاب في الرسم والنحت وفهم نسب الجسد وحركاته. لكن هذا الأسلوب أثار جدلًا في بلدان عربية منذ عقود، إذ جرى استبداله بنماذج جصية أو صور تشريحية مراعاة للاعتبارات الدينية والاجتماعية.

مشاركة المقال: