الأربعاء, 3 سبتمبر 2025 07:11 PM

من توازن الرعب إلى حروب تفريغ الشحنات: كيف تغير مفهوم الصراع العالمي؟

من توازن الرعب إلى حروب تفريغ الشحنات: كيف تغير مفهوم الصراع العالمي؟

بقلم المهندس باسل قس نصر الله: لم تعد الحرب كما عرفناها في القرن العشرين. فالحربان العالميتان الأولى (1914-1918) والثانية (1939-1945) اجتاحتا القارات، لكن الولايات المتحدة الأمريكية بقيت بمنأى عن أن تكون ساحة معركة. أما اليوم، فصاروخ عابر للقارات قادر على تحويل واشنطن ونيويورك إلى رماد خلال دقائق.

منذ إلقاء القنبلة النووية الأولى عام 1945، لم يعد النصر في حرب شاملة ممكناً، بل صار الفناء هو النتيجة الحتمية. أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 كانت أقرب لحظة اقتربت فيها البشرية من نهايتها. غواصة سوفييتية محاصرة بسفن أمريكية، وقبطان أميركي يهم بالانتقام النووي، وضابط سوفيتي واحد "فاسيلي أليكساندروفيتش أرخيبوف VASILI ARKHIPOV" رفض الضغط على الزر وأنقذ العالم. وفي عام 2002 صرح "توماس بلانتون Thomas Blanton"، الذي كان آنذاك مديراً لأرشيف الأمن القومي الأمريكي، بأن "فاسيلي أرخيبوف قد أنقذ العالم".

بعد عقدين، في 1983، كرر الضابط الروسي "ستانيسلاف يفجرافوفيتش بيتروفْ Stanislav Yevgrafovich Petrov" البطولة حين رفض تصديق نظام "أوكا OKO"، وهو نظام الإنذار المبكر السوفييتي لاكتشاف الصواريخ الباليستية العابرة للقارات "ICBMs" الذي أعلن أن "خمسة صواريخ أمريكية في طريقها إلى موسكو"، واعتبره إنذاراً كاذباً ولم يقم بأي عمل، مما جنب العالم من صواريخ نووية يتم إطلاقها من الاتحاد السوفييتي. وكان يكفي خطأ واحد يومها لإنهاء الحضارة الإنسانية.

منذ ذلك الحين، تغير مفهوم الحرب. لم يعد الصراع بين واشنطن وموسكو مجرد سباق تسلح. فمن "الردع النووي الشامل" الذي تبناه دوايت أيزنهاور، إلى "حرب النجوم" لرونالد ريغان، وصولاً إلى "الحروب الاستباقية" في عهد جورج بوش الأب وجورج بوش الابن، كانت كلها استراتيجيات ولّدت توازن رعب عالمي. ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، لم تختف الحروب، بل تفككت: من نزاعات بين إمبراطوريات إلى صراعات أهلية وطائفية، ومن غزو الدول إلى تفكيكها من الداخل بالعقوبات والحروب المعلوماتية والاقتصادية.

اليوم، لم يعد أحد يتحدث عن معركة فاصلة، بل عن سلسلة حرائق تشتعل في زوايا العالم: مثل سوريا، أوكرانيا، اليمن، دول إفريقيا… نزاعات بالوكالة تنزف دون إنذار شامل.

العالم يعيش على بعد 30 دقيقة من نهاية محتملة نتيجة الحرب النووية الشاملة التي استعاضوا عنها بحروب صغيرة، لكن الدم فيها يسيل ببطء، وفي حروب تدار من خلف الشاشات.

الحرب العالمية الثالثة لم تبدأ بصاروخ واحد، بل بدأت فعلاً بصمت، وصارت الكارثة تقدم على جرعات.

اللهم اشهد اني بلّغت (موقع اخبار سوريا الوطن-1)

مشاركة المقال: