بدأت إحدى سكان حي السومرية بدمشق حديثها لعنب بلدي قائلة: "اقتحم عناصر مسلحون يرتدون زيًا عسكريًا المساكن العشوائية في حي السومرية بمدينة دمشق، وطالبوا بإخلاء البيوت". وتحفظت المتحدثة على ذكر اسمها لدواعٍ أمنية. وأضافت أن المداهمة تضمنت إهانة للسكان وضربًا لبعض الشباب، بالإضافة إلى الشتائم والتوبيخات. كما طُلب من بعض الأشخاص أصحاب الملكيات الخاصة الإخلاء.
وافقتها "نيرمين"، وهو اسم مستعار بناءً على رغبتها، وأوضحت أنه في 26 من آب، تلقت مجموعة الحي عبر "واتس آب" رسالة من القائد الأمني للحي تفيد بأن لجنة ستقوم بفحص ملكية المساكن لتحديد من يملك عقاره ومن استولى عليه، دون اتخاذ أي إجراءات في الوقت الحالي. وفي اليوم التالي، 27 من آب، دخل فصيل مسلح يتبع لوزارة الدفاع، وانتشر عناصره في الحي، ومنعوا الدخول والخروج، وطالبوا جميع الأهالي بالإخلاء، حتى من يملك عقد ملكية بمنزله، مع توجيه عبارات توبيخية.
يشهد حي السومرية منذ ذلك الوقت توترات بعد المداهمة لإلزام سكان المساكن العشوائية بإخلاء منازلهم، بناءً على وثيقة "لجنة الإسكان العامة". الإنذار لم يحمل أي توقيع رسمي، وهو منسوب لرئاسة الجمهورية فقط.
نشأت منطقة "السومرية" في ثمانينيات القرن الماضي على أراضٍ مُستولى عليها من أهالي معضمية الشام. ويعود اسم "السومرية" إلى سومر، ابن رفعت الأسد، حيث أُسكنت المنطقة عناصر من "سرايا الدفاع"، التي كان يقودها رفعت، شقيق الرئيس السابق حافظ الأسد.
بداية الأحداث
قالت نيرمين: "لم يكتف بعض عناصر الفصيل بفحص ملكية العقارات، يوم الأربعاء، بل اعتقلوا عددًا من الشباب سواء مدنيين أو عسكريين حاصلين على تسوية، ومنهم من دون الـ 18 عامًا، كما قاموا بتفتيش موبايلات الأهالي، ومصادرة بعضها". وأكد المصدران السابقان لعنب بلدي أنه في مساء اليوم نفسه، أطلق الفصيل سراح بعض المعتقلين بعد تعرضهم لضرب "مبرح"، شريطة أن يخلوا منازلهم صباح الخميس 28 من آب.
صباح الخميس، زادت مضايقات الفصيل للأهالي مع إغلاق المحال ومنع حركة التجول، مع فرض إخلاء الحي بأكمله، دون أي إنذار أو مهلة، الأمر الذي أدى إلى هروب شباب الحي، وبقاء النساء في المنازل فقط. عصر الخميس، طُلب من الأهالي التوجه للساحة للقاء المحافظ حسبما قيل لهم من العناصر، لكن اللقاء اقتصر على عناصر الفصيل فقط، ومغزاه تهديد من بقي، إذ قام عناصر بضرب النساء، وخاصة من يصور منهن، بالإضافة لمصادرة الهاتف المحمول، وتهديد بعض النساء بـ "الدعس". مساء الخميس عاد العناصر إلى المنازل مجددين تهديد الإخلاء.
الجمعة، 29 من آب، منع الفصيل دخول الصحفيين، مع السماح لدخول صحفيين لوسيلة إعلام واحدة، وهو ما تحققت منه عنب بلدي عبر صحفيين في وسائل إعلام محلية ودولية. وبحسب المصدرين الأهليين اللذين تواصلت معهما عنب بلدي، فإن بعض الأهالي أُجبروا على مداخلات محددة وفق الفصيل، كما أخرج العناصر جميع السيارات العسكرية من شوارع الحي، في أثناء التصوير، مع تجديد الهجوم على المنازل. أغلبية الأهالي أخلوا المساكن خوفًا من انتهاكات بحقهم، مع السماح بإخراج بعض المقتنيات، وسط حديث عن التراجع بأمر الإخلاء، لم يطبق على الأرض.
ملكية العقارات
ملكية المساكن في حي السومرية ثلاثة أنواع:
- ملكية خاصة.
- ملكية تعود للدولة.
- استملاك أراضي أصحابها من مدينة المعضمية المجاورة للحي.
أهالي حي السومرية استغربوا تولي فصيل تابع لوزارة الدفاع بالمهمة، وشرحوا أن معاملة عناصر الفصيل مهينة، مع تجاهل الوزارة والمحافظة للأحداث، مطالبين بمعالجة الأمر وعودة من أثبت أن عقاره ملك خاص له، ومحاسبة الفصيل، مع إطلاق سراح المعتقلين.
الجهات الرسمية تتجنب الرد
وزارة الداخلية أكدت لعنب بلدي أن الوزارة لا علاقة لها بالإخلاء. ولم تحصل عنب بلدي على استجابة من وزارة الدفاع. محافظة دمشق أكدت لعنب بلدي أنها ستنشر بيانًا حول ما حدث في حي السومرية، لكنها لم تنشره بعد.
الأمم المتحدة قلقة
قالت الأمم المتحدة إنها تتابع بقلق التطورات في حي "السومرية" بدمشق، بما في ذلك التقارير عن تهديدات بالإخلاء، والتقارير عن انتهاكات ضد المدنيين الأبرياء، بمن فيهم النساء والأطفال. وحثت في بيان، نشرته عبر موقعها الإلكتروني، في 29 من آب، على ضبط النفس والامتناع عن أي إجراءات متسرعة أو عنيفة. المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أشار في المؤتمر الصحفي إلى أن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، يتابع عن كثب هذه التطورات. وأكد ضرورة معالجة القضايا المعقدة المتعلقة بالإسكان والأراضي والممتلكات، والعدالة الانتقالية، بعناية، مع إعطاء الأولوية لحماية المدنيين، بناء على سيادة القانون وبما يتماشى مع المعايير الدولية.
تشهد سوريا حالات مشابهة منذ سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، وذلك وسط محاولات للعديد من الأهالي في مناطق مختلفة لاستعادة أملاكهم المستملكة رسميًا أو المستحوذ عليها من ضباط وعناصر سابقين في نظام الأسد.