الثلاثاء, 2 سبتمبر 2025 08:31 AM

جفاف الفرات يهدد أراضي الطبقة: مزارعون يكافحون لإنقاذ محاصيلهم

جفاف الفرات يهدد أراضي الطبقة: مزارعون يكافحون لإنقاذ محاصيلهم

زانا العلي – الرقة

في ريف الطبقة شمالي سوريا، وتحديدًا في قرية الطويحنة، يبذل إبراهيم الحرير جهودًا مضنية لحفر ساقية تمتد لمئات الأمتار، في محاولة يائسة لجلب مياه نهر الفرات إلى أرضه التي ابتعدت عنها المياه بسبب تراجع النهر. يعكس حال إبراهيم، وهو مزارع يبلغ من العمر 43 عامًا، معاناة الآلاف من المزارعين الذين يعيشون على ضفاف الفرات، والذين يواجهون نقصًا حادًا في المياه يهدد أراضيهم الزراعية وموسمهم الزراعي القادم.

تقع قرية الطويحنة على بعد 30 كيلومترًا شمال غرب الطبقة، ويعتمد سكانها بشكل أساسي على مياه النهر في ري حقولهم.

1500 متر

يبذل المزارعون في الطويحنة جهودًا مضنية لسحب المياه إلى أراضيهم لري محاصيلهم وأشجارهم التي بدت عليها علامات العطش. مظاهر الجفاف واضحة، وتنذر بتهديد مستقبل الموسم الزراعي. ويشير إبراهيم إلى أن المياه بدأت في الانحسار منذ أكثر من شهرين، وابتعدت عن أراضيهم لمسافة تجاوزت 1500 متر، بعد أن كانت في الأعوام القليلة الماضية تجري بمحاذاة أراضيهم على مسافة أمتار قليلة.

ويضيف إبراهيم لنورث برس: "كنا نستخدم محركات ديزل صغيرة لسحب المياه عندما كانت قريبة، أما اليوم فنحفر سواقي يتجاوز طولها 1500 متر لتصل المياه إلى المحركات، ومنها إلى الحقول." ويتابع: "في كل يوم تتراجع المياه أكثر عن أراضينا. نواصل الحفر بلا توقف لتشغيل الغطاسات التي تضخ المياه باتجاه الحقول. لقد سئمنا من هذا الوضع".

ويصف إبراهيم هذا العام بأنه الأسوأ مقارنة بالعام الماضي، قائلاً بلهجته العامية: "المكان يلي نحن قاعدين فيه حالياً العام الماضية كانت الباخرة تبخر فيه أما اليوم تحولت إلى صحراء." ويكمل: "نتحمل تكاليف شراء الخراطيم والمازوت وألواح الطاقة الشمسية".

في قرية الطويحنة، تبدو الأرض متشققة والجفاف واضحًا، وتراجعت مياه بحيرة الفرات أكثر من كيلومتر عن الأراضي الزراعية، إضافة إلى تلوثها. وللتأقلم مع هذا الواقع، لجأ السكان إلى استخدام ألواح الطاقة الشمسية لتقليل تكاليف سحب المياه، مثبتين إياها في أماكن كانوا يصطادون منها الأسماك قبل عامين فقط، وفقاً لشهادات السكان.

قصة إبراهيم ليست استثناءً، فمعظم المزارعين يعيشون الظروف نفسها. بين جفاف الأرض وارتفاع التكاليف، تتكرر المعاناة في كل بيت، وتتنوع محاولات الأهالي للتأقلم مع واقع المياه المتراجع.

عكازتين ومعركة المياه

على أرض متشققة وجافة، يقف شحادة الخليل، رجل طاعن في السن يمشي على عكازتين، يرافقه عمال يضعون ألواح الطاقة الشمسية على بعد ألف متر من حقله. يروي الخليل لنورث برس قصته مع تراجع الفرات قائلاً: "قبل سنة كانت تجري المياه بجوار حقلي المزروع بأشجار الزيتون، أما اليوم فقد اضطررت إلى تمديد خراطيم لمسافة ألف متر، بينما ابتعدت البحيرة مئات الأمتار تاركة وراءها صحراء قاحلة."

ويضيف: "عمري 77 سنة، منذ بناء السد وإنشاء البحيرة حتى اليوم لم أرَ مثل هذا الجفاف. هذه الأرض كانت غارقة بالماء". ويشرح الرجل المسن أن حضوره الشخصي لمكان تركيب الألواح لم يكن مصادفة، بل لمتابعة العمل بنفسه رغم تقدمه في السن وألم ظهره. يقول: "جئت اليوم مع العمّال لأضع ألواح الطاقة الشمسية. استدنت ثمنها كي أتمكن من سقاية أشجار الزيتون، وسأدفع حقها بعد جني المحصول".

شحادة، الذي فقد ابنه الوحيد في حادث سير قبل سنوات، يقف وحيدًا في مواجهة صعوبات الحياة. ومع كل خطوة يخطوها بعكازيه على الأرض اليابسة، يحاول جر المياه إلى مزرعته رغم الخسائر والخوف من المستقبل.

لا مخزون احتياطي

يعاني المزارعون من تفاقم أزمة المياه، إذ تتراجع البحيرة بشكل مستمر عن الأراضي الزراعية. تتحمل تركيا إلى جانب الجفاف جزءاً من المسؤولية بحجز كميات كبيرة من مياه الفرات، ما يحد من الوارد إلى السدود السورية ويضغط على المخزون الاستراتيجي للبحيرة.

في هذا الإطار، يقول عماد عبيد، مسؤول في سد الفرات بالطبقة، إن المنسوب الأعظمي للبحيرة يبلغ 304 أمتار فوق سطح البحر، بينما المنسوب الأدنى لتشغيل مجموعات التوليد بالسد هو 296 مترًا، وهو ما يُعرف بـ"المنسوب الميت". ويضيف عبيد أن السد حالياً ضمن هذا المنسوب الميت، وقد فقدت البحيرة حتى الآن أكثر من 7 أمتار، ما يعني أن المخزون المتبقي ضئيل للغاية، وقد تتوقف المحطات عن العمل إذا استمر الوضع على ما هو عليه.

وأوضح أن الوارد الحالي لا يتجاوز 250 متر مكعب في الثانية، بينما يُستنزف هذا الوارد على عمليات الري، بالإضافة إلى 85 مترًا مكعبًا في الثانية للتبخر. وأضاف أن المخزون الاحتياطي غير موجود عمليًا، وما تبقى من مياه البحيرة يُحسب بالسنتيمترات فقط.

وأكد المسؤول أن مخزون بحيرات الفرات الاستراتيجية فقد تقريبًا نصف حجمه، أي حوالي 7 مليارات متر مكعب من أصل 14 مليار متر مكعب.

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: