تواصل المؤسسة العامة لمياه الشرب في حمص جهودها المكثفة للتغلب على أزمة نقص المياه وضمان وصولها المستمر إلى المواطنين. تتضمن هذه الجهود سلسلة من الإجراءات الفنية والإدارية التي تهدف إلى تعزيز الموارد المتاحة وتحسين ضخ المياه في مختلف مناطق المحافظة.
من بين أبرز هذه الإجراءات، يتم استجرار حوالي ثمانية آلاف متر مكعب من المياه يومياً من سد زيتا (غربي حمص)، وذلك لدعم الموارد المائية المخصصة لتغذية منطقتي عين التنور وعين السمك. وقد تم إجراء تجربة فنية شاملة تضمنت أخذ عينات من مياه السد ومتابعة نسب خلطها مع مياه العيون، لضمان مطابقة المياه الناتجة للمواصفات المعتمدة لمياه الشرب. وقد أدت هذه الخطوات إلى ارتفاع ملحوظ في مناسيب المياه وكميات الضخ مقارنة بالفترات السابقة.
أكد عمر شمسيني، معاون المدير العام لمؤسسة المياه بحمص، في حديث لمنصة، أن الكمية المستجرة من سد زيتا تعتبر دعماً إضافياً لتأمين الاحتياجات الأساسية، وليست بديلاً عن المصادر الطبيعية التي تعتمد على تغذية الينابيع من ذوبان الثلوج في الجبال المحيطة. وأشار إلى أن شح المياه سيستمر حتى نهاية فصل الشتاء، مع توقع تحسن الواردات المائية مع بداية فصل الربيع.
على الرغم من هذه الجهود، لا تزال بعض الأحياء تعاني من انقطاع متكرر في المياه، ويعود السبب الرئيسي إلى استمرار تناقص غزارة عين التنور. وأوضح شمسيني أن حجم التعويض المحقق حتى الآن يبلغ حوالي 850 ألف متر مكعب يومياً، وهو ما يعتبر خطوة مهمة، لكنه لا يغطي الفجوة بالكامل.
كما أشار شمسيني إلى أن استخدام مياه السد في الري أو الاستخدامات المنزلية غير الشرب يقع ضمن صلاحيات مديرية الموارد المائية، مع التأكيد على أن الأولوية القصوى يجب أن تبقى لمياه الشرب.
وفي سياق دعوة إلى التضامن المجتمعي، لفت المصدر إلى ضرورة تعاون المواطنين مع المؤسسة من خلال ترشيد الاستهلاك والامتناع عن هدر المياه، موضحاً أن "الماء أغلى الموجود". كما أوضح أن دعم تموين المياه في المناطق الأكثر تضرراً ما يزال محدوداً، ويقتصر على جهود المحافظة وبعض المنظمات المحلية والدولية، مثل الصليب الأحمر واليونيسيف، إضافة إلى مبادرات مجتمعية كحملة "حمص بلدنا".
على صعيد المشاريع التنفيذية، تم تنفيذ عدد من الإجراءات لتعزيز البنية التحتية للمؤسسة، منها تأهيل آبار المدينة وتأمين خطوط كهرباء معفاة من التقنين لها، إلى جانب تأمين خط كهربائي معفى من التقنين لآبار دحيريج (بريف حمص الغربي) وتأهيل 6 آبار في المنطقة. كما تم تزويد بئرين في كفرلاها وآخر في جندر بنظام طاقة شمسية، إضافة إلى تركيب أنظمة طاقة شمسية لأربع آبار في القريتين. وتم تنفيذ خط داعم في منطقتي عشيرة والأرمن الجنوبي لتحسين التغذية.
أكد شمسيني أن موضوع ترشيد الموارد المائية يعتبر قضية وطنية مشتركة، تتطلب تضافر جهود مؤسسة المياه مع الجهات المعنية في الموارد المائية والزراعة والصناعة والسياحة.
وفي حال استقرار حالة الجفاف، تم وضع خطط بديلة تشمل إعادة تأهيل عين السمك (رافد العاصي) الذي يتوقع أن يوفر نحو 14 ألف متر مكعب يومياً، واستكمال استجرار مياه احتياطية من سد زيتا، إلى جانب استكمال تأهيل الآبار الحالية وحفر 20 بئراً إضافياً في المدينة، وثلاثة آبار في منطقة عين السمك. كما تشمل الخطة متابعة الحلول الاستراتيجية على مستوى الوزارة، خاصة فيما يتعلق باستجرار مياه الساحل إلى حمص ودمشق، وحفر آبار في حوض السمعليل، الذي يعتبر منطقة أمن مائي استراتيجي للمحافظة.
وفيما يتعلق بسبل الارتقاء بالعمل، أوضح المصدر أن المؤسسة تعمل على رفع كفاءة العاملين وبناء القدرات الفنية، إلى جانب تفعيل آليات المساءلة والمتابعة، وتعزيز دور المجتمع المحلي في الحفاظ على الموارد المائية وحمايتها. وأشار إلى أن الرؤية المستقبلية للمؤسسة ترتكز على تأمين مياه كافية وآمنة لكافة المواطنين، مع تحقيق العدالة في التوزيع من خلال زيادة المصادر المائية، وإعادة تقييم الشبكة ضمن نظام التزويد المتقطع، وإعادة تأهيل الأجزاء المخربة من الشبكات.
أقر المصدر بوجود صعوبات جمة تواجه عمل المؤسسة، أبرزها العجز المالي الحاد، حيث لا يتناسب سعر بيع المياه مع تكاليف الإنتاج، إلى جانب نقص الكوادر الفنية المتخصصة، وقلة الآليات اللازمة لإنجاز الأعمال، إضافة إلى النقص في الدعم اللوجستي مثل الحواسيب والطابعات.
وفيما يخص الدعم الدولي، أكد أن ما يتم تقديمه من قبل بعض المنظمات الدولية لا يتناسب مع حجم الاحتياجات الفعلية، ويقتصر على جهات محدودة مثل الصليب الأحمر واليونيسيف، إلى جانب مبادرات محلية.
وأوضح أن دراسة كمية المخزون المائي تقع ضمن اختصاص مديرية الموارد المائية وشركة الدراسات المائية، مبيناً أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في منسوب المياه في عين التنور وفي عدد من الآبار، بما فيها آبار دحيريج. أما بالنسبة لكمية المياه المضخة ضمن برنامج التقنين، فأفاد المصدر أن المعدل اليومي يبلغ حوالي 110 ألف متر مكعب يومياً، وذلك وفقاً للقدرات المتوفرة من الموارد المائية وتوفر مصادر الطاقة، ويتم توزيع هذه الكمية بعدالة بين الأحياء بما يتاح من إمكانيات.
وأكد أن أعمال الصيانة وتعزيل الآبار تعد من المهام المستمرة والدائمة، لكنها تواجه صعوبات كبيرة بسبب نقص الموارد المالية، وشح الكوادر العاملة في الصيانة، وضعف إمكانيات الورشات الفنية.
وبهذا تواصل المؤسسة العامة لمياه الشرب في حمص جهودها الصعبة في ظل ظروف مائية ومالية ومعيشية استثنائية، متمسكة برسالتها في تأمين المياه كأحد أبسط حقوق المواطنين، وداعية في الوقت نفسه إلى التضامن المجتمعي والدعم المؤسسي لتجاوز التحديات المائية الحالية.