لم يتغير الكثير، فالصراع انتقل من بطاح الأرض والصحارى والأدغال إلى ساحات السوشيال ميديا، من فيسبوك وإنستغرام وتويتر وغيرها. وانشغل الجميع بالـ"تريند": ممثلون، إعلاميون، سياسيون، منجمون، ومن يسمون بصناع المحتوى.
وبات الكل مستعداً، كرمى عيون هذا "التريند" – لكسب الجمهور – لأن يخلع أخلاقه على الهواء مباشرة، وأن يكذب، ويختلق القصص، ويفبرك ويلفق المواقف، ويفعل أي شيء لأجل علامة الإعجاب هذه. "التريند" الذي يعرف بأنه "موضوع ساخن جديد يثار على منصات التواصل الاجتماعي، فينتشر بسرعة في فترة زمنية قصيرة، ويهتم به الجمهور، ويتداولونه بالحديث والتعليق وتبادل الأخبار بكثرة"، قد لا يكون في الحقيقة ساخناً ولا جديداً، وإنما يسعون إلى هذا التسخين والتجديد بكل ما ذكر.
والمدهش أن جمهور "المتابعين" مستعد دائماً لإعلان ولائه للتريند الفيسبوكي الجديد، أو الطامح لكسب الجمهور. البعض يرى أنه أمر مشروع لأنه من تطورات التكنولوجيا والعصر، وبعض آخر يضع يده على قلبه، وينظر شزراً لآلية التفكير عبر (التريند)، التي يتهمها بتدمير الثقافة وتسطيحها وجعلها محكومة بالربح المالي، لأن (التريند) هنا يعني جمع المتابعين، والغاية في النهاية كسب الأموال.
وكما في كل العصور، فجمهور القبيلة كثيراً ما يتبع التافه والسطحي والأفاق، فيما المفكرون والشعراء والفلاسفة.. وكأنهم صعاليك في هذه الصحارى الزرقاء. تقول "المؤثرة" الطامحة وصانعة المحتوى: "أنا رايحة لـ الحمام"؛ عبارة تطلقها امرأة لها من مواصفات الغنج والدلع، بكسوة أقل ما يمكن من الثياب؛ كافية لأن تجمع متابعين ومعجبين، ما يعجز عنه كبار الشعراء أو المفكرين في العالم العربي. الأمر الذي على ما يبدو أشعل نار الغيرة في قلوب الكثير من الذين "روح قلبهم" حب الظهور والاستعراض لاسيما من الصفوف الخلفية للكثير من الممثلين وحتى السياسيين، الذين لا يتوانون عن اختلاق القصص التي تصل حد الفضيحة لأجل هذا الذي يقال عنه "تريند". هذا المصطلح الذي أمسى اليوم كـ"موضة" قاصمة للظهر، غاية الجميع تقريباً حتى باتت بعض المهن كما يذكر الفنان السوري بسّام كوسا في إحدى مقابلاته؛ هي ستار للوصول إلى هذا "التريند" حتى لو كان على جناح الفضيحة، أو تلفيق قصة، بل حتى إشاعة موت فنان أو غيره، وقد يلجأ إليها الفنان ذاته.
وإلا كيف نفسر مشهداً لإحدى الممثلات في سيارة، وينتشر بهذه البساطة، ثم تمثل بعد ذلك دور الضحية، إن لم يكن كل المشهد من صناعتها وتخطيطها. فيما ممثل آخر يذهب لبيع الفطاير على بوابة حديقة، وهو يركن سيارته الفاخرة بالقرب من البوابة مدعياً الفقر وقلة الحيلة، وثمة ثالث يكاد ينسى أنه كان ممثلاً، ليُمسي "بلوغر" يشتم زملاءه من الفنانين، ويقوم بـ"فضحهم" دون أن يرف له جفن. وغير ذلك الكثير. فالجميع يريد أن يعمل "تريند"، ويبدو أن هذا الـ"تريند" ثمة الكثير من المكاسب خلفه، فحسب وعد "العمين": مارك، وماسك: إن من يجمع أكبر قدر من المعجبين يكسب الكثير. والأمر متروك لهذه الشعوب التي عافت الكتاب منذ أول طباعته، وآخر الشعوب التي تعنيها القراءة ووجدت ضالتها في "زمن التفاهة". لدرجة سؤال تافه مثل: "بتبيع حماتك بألف دولار" يمكن أن يحصد مئات الآلاف من الإعجابات. إنها ذاتها الشعوب التي كان السير يقف في شوارعها عند عرض مسلسل بائس على سبيل المثال. تريندات تنمو كالفطور خلال ليلة رعدية، وتأتي بكل هذا الهراء!!
اخبار سورية الوطن 2ـوكالات _الحرية