الخميس, 4 سبتمبر 2025 02:57 PM

وثيقة سرية تكشف: كيف حوّل النظام السوري سفاراته في أوروبا إلى مخازن أسلحة ومتفجرات؟

وثيقة سرية تكشف: كيف حوّل النظام السوري سفاراته في أوروبا إلى مخازن أسلحة ومتفجرات؟

في عالم الدبلوماسية، تمثل السفارات حصونًا للسيادة الوطنية ومراكز للتواصل بين الدول. لكن وثيقة مسربة من إدارة المخابرات العامة السورية تكشف عن جانب مظلم لهذه البعثات، حيث تحولت إلى "محطات" لتخزين الأسلحة والمتفجرات، ضمن شبكة سرية امتدت من أوروبا إلى الشرق الأوسط.

الوثيقة، وهي مذكرة داخلية مؤرخة في 19 أيلول/سبتمبر 2005 وموجهة إلى رئيس الجمهورية بشار الأسد، تقدم اعترافًا رسميًا نادرًا بعملية بدأت عام 1979. تحت ذريعة "التصدي" لهجمات جماعة الإخوان المسلمين وتحالفهم المزعوم مع "اليمين العراقي"، أمرت المخابرات السورية فرعها الخارجي بإرسال ترسانة متنوعة إلى عدد من السفارات.

بحسب الوثيقة، شملت هذه الترسانة "سمومًا" (ربما في إشارة إلى سلاح بيولوجي – النص ملتبس)، ومسدسات، ورشاشات، وكواتم صوت، وقنابل، ومتفجرات "تي إن تي". وتضمنت قائمة الدول التي تحولت سفارات سوريا فيها إلى مخازن أسلحة عواصم كبرى مثل باريس، ولندن، ومدريد، إضافة إلى دول أخرى مثل ألمانيا، وتركيا، وإيران، واليونان، ودول الخليج (السعودية، والكويت، والإمارات).

المفارقة تكمن في توقيت المذكرة نفسها. ففي عام 2005، كان النظام السوري يسعى "لتحسين صورته وعلاقاته"، كما تعترف الوثيقة، مؤكدًا "نبذه للإرهاب بكافة أشكاله". كان هذا خطابًا موجهًا للمجتمع الدولي الذي كان يفرض ضغوطًا متزايدة على دمشق بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في شباط/فبراير من العام نفسه، وهو اغتيال وُجهت فيه أصابع الاتهام إلى الأسد.

لكن خلف هذا الستار الدبلوماسي، كانت المخابرات قلقة من "العبء والخطر المستقبلي" الذي تشكله هذه الأسلحة المخزنة في أقبية السفارات. تقترح المذكرة "إتلاف كافة أنواع القنابل والمتفجرات والسموم"، لكنها توصي في الوقت نفسه بـ"الإبقاء على المسدسات وذخيرتها فقط بقصد الحماية".

يثير هذا الاستثناء الشكوك حول النوايا، فـ"الحماية" مصطلح فضفاض يمكن أن يغطي مهام تتجاوز الدفاع عن النفس، وصولًا إلى تصفية المعارضين في الخارج، وهي تهمة لاحقت النظام السوري طويلًا.

في فقرة لافتة، تعدد المذكرة المواد المرسلة قائلة: "...إرسال أسلحة ومتفجرات وسموماً مثل المسدسات والمسدسات الرشاشة...". صياغة ملتبسة، فالمسدسات ليست نوعاً من السموم. التفسير الأقرب هو خطأ في الصياغة، حيث كان يفترض استخدام "الواو" للفصل بين "السموم" و"الأسلحة النارية". لكن احتمالاً آخر، وإن كان ضعيفاً، يفتح الباب أمام فرضية أكثر قتامة: إمكانية وجود مسدسات خاصة تطلق مقذوفات سامة، وهو أسلوب معروف في عالم الجاسوسية. ورغم أن بقية الوثيقة تشير إلى "المسدسات وذخيرتها" بمعناها التقليدي، إلا أن هذا الالتباس يظل شاهداً على خطورة ما كان يُخزّن في الخفاء تحت غطاء الحصانة الدبلوماسية.

تكشف الوثيقة أنه جرى التخلص من بعض الأسلحة في ألمانيا وقبرص ويوغوسلافيا عام 1997، لكنها تقر بأن "البعض الآخر بقي". والسؤال اليوم، بعد سقوط النظام في دمشق: ما مصير بقية هذه الأسلحة؟ هل تم إتلافها فعلاً كما أوصت المذكرة؟ لا ضمانات. هل بقيت المسدسات في عهدة السفارات؟ ومن يسيطر عليها الآن بعد التغيرات السياسية؟ هل وقعت بعض هذه الأسلحة في السوق السوداء أو بيد جهات أخرى؟ هل نُهبت يوم سقوط النظام، خصوصاً في الدول الأوروبية، وأين هي الآن؟

إن تحويل البعثات الدبلوماسية إلى مخازن أسلحة لا يمثل فقط انتهاكاً صارخاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي تمنح هذه المقرات حصانتها، بل يكشف أيضاً عن العقلية الأمنية التي حكمت سوريا، حيث كانت أدوات العنف جزءاً من السياسة الخارجية، حتى في عواصم كانت دمشق تسعى لكسب ودها.

هذه الوثيقة ليست مجرد صفحة من الماضي، بل جرس إنذار حول تركات أمنية خطيرة خلفتها الأنظمة الشمولية، والتي قد تظل تهدد الأمن الإقليمي والدولي لسنوات قادمة.

مشاركة المقال: