يوسف فارس:
يشهد غرب مدينة غزة تكدساً هائلاً لمئات الآلاف من النازحين، بعد أن امتد الخراب ليشمل أحياء الشيخ رضوان شمالاً، والصبرة وتل الهوا جنوباً. يجد السكان الذين ظلوا متمسكين بمنازلهم حتى اللحظة الأخيرة أنفسهم في مواجهة ما يشبه "حفلات جنون" ليلية، حيث يستخدم جيش العدو أسلحة نارية ذات فتك وتأثير كبيرين.
في إحدى هذه "الحفلات"، تحول مربع عيادة الشيخ رضوان بالقرب من مفترق الصاروخ في شارع الجلاء إلى مسرح للرعب. بدأت الأحداث بإطلاق طائرات «الكوادكابتر» عشرات القنابل الحارقة على سيارات الإسعاف والمركبات المدنية وخيام النازحين، مما أدى إلى اندلاع حرائق هائلة أتت على عشرات المركبات. بالتزامن مع ذلك، حلقت طائرات بشكل مكثف وأطلقت الرصاص على نوافذ الشقق المأهولة، بالإضافة إلى قصف مدفعي عشوائي. كما شنت طائرات مروحية سبع غارات على خيام النازحين في المناطق الغربية، بهدف واضح هو بث الرعب وإجبار السكان على الفرار تحت وطأة النيران.
يعيش الأهالي حالة من الضياع، حيث يفتقر معظمهم إلى القدرة على اتخاذ القرار المناسب. يقول الحاج أحمد نصار: "النزوح قطعة من العذاب، النزوح هو الموت". ويضيف: "لقد جربنا مهانة النزوح وذله طوال 15 شهراً من الحرب، وعشنا حياة بدائية، وافترشنا العراء والشوارع، ولم نجد مكاناً لقضاء الحاجة. عشنا أشهراً طويلة بلا مياه صالحة للشرب والاغتسال، وكانت العودة إلى منازلنا يوم عيدنا رغم الجراح. لا أحد من الناس بوسعه تقبل موجة جديدة من العذاب. لذا، الخروج من البيت قرار يوازي الحياة".
أما أحمد عرب، وهو نازح من حي تل الزعتر ويسكن خيمة في حي الكرامة، فيقول إن ما يعيق قراره بالنزوح هو عجزه التام عن تحمل تكاليفه. ويضيف لـ«الأخبار»: "نحن عائلة مكونة من 30 شخصاً. النزوح وتكاليفه الباهظة لا يقدر عليها سوى أغنى الأغنياء. 5 آلاف دولار كاملة تكلفة نقل الأمتعة واستئجار قطعة أرض وتجهيز خيمة وحمام ومطبخ. من يمتلك مبلغاً كهذا في هذه الظروف؟ نحن لا نمتلك ثمن رغيف الخبز. أكلت الحرب كل مالنا ومدخراتنا، وجاءت مجاعة أربعة أشهر، حيث لم تبق قطعة ذهب في أيادي نسائنا إلا وبعناها لشراء الطحين".
في الجانب الغربي من حي الشيخ رضوان، تنتشر سوق تدمي القلب، حيث يضطر الأهالي لبيع أثاث منازلهم، وأطقم نوم الأطفال والأزواج، والأبواب والنوافذ، وأطقم غرف الجلوس وطاولات السفرة. تقول رانية محمد: "كل شقاء العمر، كل ما دفعنا دم قلبنا لشرائه وتفصيله على أفضل ديكور وذوق، نبيعه اليوم خشباً للحرق. لا نمتلك مكاناً ننقل إليه أثاث البيت، ولا أموالاً لنحمل الأثاث إلى نزوح آخر". وتضيف أن "جيش العدو الدموي لا يترك خلفه سوى الخراب، لذا نبيع كل ما لدينا لتوفير أجرة النزوح وثمن الخيمة".