الأحد, 7 سبتمبر 2025 01:19 AM

في ذكرى رحيله الـ14: إبراهيم السلقيني.. مفتي حلب العالم الجليل والموقف الصلب

في ذكرى رحيله الـ14: إبراهيم السلقيني.. مفتي حلب العالم الجليل والموقف الصلب

تحل اليوم الذكرى السنوية الرابعة عشرة لوفاة العلامة الدكتور إبراهيم محمد السلقيني، مفتي حلب السابق، نستذكر خلالها سيرة هذا العالم الجليل الذي كان مثالاً للعلم والتواضع والاعتدال، وترك إرثًا علميًا واجتماعيًا كبيرًا في سوريا وخارجها.

نشأته

وُلد الدكتور إبراهيم السلقيني في 31 كانون الأول 1934 في حي باب المقام بمدينة حلب، ونشأ في كنف أسرة علمية عريقة، فوالده الشيخ محمد السلقيني وجده الشيخ إبراهيم السلقيني كانا من العلماء المعروفين. ترعرع في هذه البيئة التي غرسَت فيه حب العلم والدين، فبدأ حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية وعدد من المتون العلمية على يد جده، حتى توفي الأخير وهو في الثالثة عشرة من عمره.

مسيرته العلمية

تلقى الشيخ تعليمه الابتدائي في مدرسة الاستقلال الكائنة في حي (باب المقام) وبدأ رحلته العلمية في الثانوية الشرعية بحلب (الخسروية)، التي كانت تُعرف آنذاك بالكلية الشرعية، حيث نهل من العلوم الشرعية على يد كبار علماء حلب أمثال الشيخ راغب الطباخ، وأحمد الشماع، وسعيد الإدلبي، ووالده محمد السلقيني، وغيرهم. تفوق في دراسته وحصل على شهادة الثانوية الشرعية، ثم أكمل تعليمه العام ليحصل على الثانوية العامة (الفرع الأدبي).

في عام 1952، التحق بكلية الشريعة والقانون بالجامعة الأزهرية في القاهرة بعد أن عدل عن فكرة دراسة الطب في جامعة إسطنبول. تخرج من الأزهر عام 1956 بتفوق، وحصل على دبلوم التربية من كلية التربية بجامعة دمشق، ثم واصل دراسته العليا في الأزهر ليحصل على الماجستير بمرتبة جيد جدًا، ومن ثم الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عام 1973، وكانت رسالته بعنوان “تحقيق المراد بأن النهي يقتضي الفساد”، والتي طبعها المجمع العلمي العربي بدمشق ودار الفكر.

أسهم السلقيني في تأليف العديد من الكتب، منها مقررات دراسية في الفقه الإسلامي وأصوله لكليات الشريعة والحقوق، وكتب للثانويات الشرعية، إضافة إلى مشاركته في تحقيق مخطوطات وكتابة مقالات في مجلات عربية.

رحلته مع التدريس

بعد تخرجه من الأزهر، عاد السلقيني إلى حلب وعُين مدرسًا للتربية الإسلامية في ثانويات حلب ودار المعلمين والمعلمات، ثم مديرًا لإعدادية إسكندرون. شغل مناصب تدريسية مرموقة في جامعات سوريا والسعودية والإمارات، حيث درّس الفقه وأصوله في كلية الشريعة بجامعة دمشق، وكلية الحقوق بجامعتي دمشق وحلب. كما عمل أستاذًا لأصول الفقه في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة كأستاذ زائر. وفي دبي، درّس أصول الفقه في كلية الدراسات الإسلامية والعربية، وشغل منصب عميدها وأستاذًا للدراسات العليا.

توليه الإفتاء

وبعد أكثر من 50 عامًا من العطاء في التدريس والتأليف ونشر العلم عاد الشيخ السلقيني إلى سوريا ليتقلد منصب الإفتاء في محافظة حلب، وقد قبل هذا المنصب بعد إلحاح وتدخل بعض العلماء الذين زاروه في منزله، وطلبوا منه قبوله لأنه الأجدر به، وذلك في شهر أيلول من عام 2005.

موقفه من الثورة

مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، وقف السلقيني إلى جانب مطالب الشعب، وأصدر بيانات مع علماء حلب يستنكرون سفك الدماء ويطالبون بحرية التعبير، ووقف القمع، وإطلاق سراح المعتقلين.

وفاته

انتقل الدكتور إبراهيم السلقيني إلى رحمة الله في يوم الثلاثاء 8 شوال 1432هـ، الموافق 6 أيلول 2011، عن عمر يناهز 77 عامًا، إثر مرض قلبي وعائي. ترك رحيله أثرًا عميقًا في قلوب أهالي حلب والمجتمع العلمي، حيث كان يُعرف بتواضعه وحسن خلقه وعلمه الغزير.

تشييعه

شُيّع الدكتور السلقيني من الجامع الأموي الكبير بحلب في جنازة مهيبة حضرها آلاف المشيعين من طلابه ومحبيه وأهالي المدينة. تحولت الجنازة إلى مظاهرة حاشدة هتفت ضد النظام، تعبيرًا عن تأييدهم لمواقف الشيخ الداعمة للثورة، مما عكس مكانته الكبيرة في قلوب الناس. رحل الدكتور إبراهيم السلقيني، لكن إرثه العلمي والاجتماعي ما زال حيًا في كتبه وطلابه، ومواقفه الشجاعة.

مشاركة المقال: