الأحد, 7 سبتمبر 2025 09:04 PM

الشيعة والشيعية: تنوع تاريخي أوسع من اختزال حزب الله

الشيعة والشيعية: تنوع تاريخي أوسع من اختزال حزب الله

حازم صاغية

واجهت النائب بولا يعقوبيان حملة انتقادات بسبب رأيها بأن "الأدلجة العقائدية" أخطر من السلاح. ردًّا على ذلك، شنّ عليها البعض حملة تشهير على وسائل التواصل الاجتماعي، مستغلين أصلها الأرمني وكونها امرأة، وهي أمور يعتبرها ذكوريّو "حزب الله" وصمات لا يمكن محوها إلا بالدم!

كما تجلّى الجهل في هذه الحملة، حيث اعتبر المشهّرون نقد يعقوبيان "للأدلجة العقائدية" نقدًا للشيعة والشيعية، وهو ما لم تذكره يعقوبيان أبدًا. هذه المصادرة لمعنى الشيعة والشيعية تسيء إليهما، لأنهما أوسع وأغنى من هذا التفسير الضيق.

يقدم تاريخ إيران أمثلة عديدة على التنوع في فهم الشيعية وثقافتها. فمنذ "الثورة الدستورية" عام 1906، انقسمت المؤسسة الدينية إلى فريقين: آية الله النوري وقف إلى جانب الشاه القاجاري وحرّضه على الثوار وكفّرهم، كما حرض الحشود ضدهم وطالب بقتلهم، معتبراً أن القوانين يجب أن تُستمد من الشريعة فقط، وأن النزعة الدستورية شرّ لأنها تساوي بين المواطنين وتعلم النساء. شكّل النوري، ومعه حجة الإسلام الزنجاني، ميليشيا لنهب متاجر التجار المؤيدين للإصلاح، وهاجموا بعضهم وقتلوا نائبًا هو سعد الله سلطانه.

في المقابل، وقف "علماء" في صف الثورة، وعلى رأسهم آية الله الخرساني، الذي صاغ نظرية مفادها أن الحكم لا يكون إسلاميًا إلا بعودة الإمام الغائب، وفي انتظار العودة يبقى النظام الدستوري أقل الأنظمة الزمنية سوءًا. شجب الخرساني آراء النوري، كما فعل تلميذه محمد حسين النائيني الذي أصدر كتابًا بعنوان "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" لدحض تلك الآراء. ورأى النائيني أن لا حاجة إلى تبرير ديني لسلطة نواب المجلس النيابي لأنهم ممثلو الشعب وليسوا نواب الإمام.

عندما انتصر الدستوريون، قبل أن يُهزموا، أعدموا الشيخ النوري بتهمة الخيانة، بعد محاكمة رأسها شيخ وصادق عليها ثلاثة من آيات الله، أحدهم النائيني.

بعد ثلاثة أرباع القرن، أعاد النظام الخميني الاعتبار إلى النوري، وكرمته ثورة 1979 بوصفه شهيدًا مدافعًا عن الإسلام والشريعة ضد الغرب وعملائه.

أشعل علي شريعتي، الذي وُصف بـ"إيديولوجي الثورة الإسلامية"، معركة أخرى ضد تعاليم آية الله مجلسي الذي عاش في القرن السابع عشر. مجلسي، الذي أثرت آراؤه على بعض رجالات ثورة 1979 ونظامها، يعتبره المؤمنون المستنيرون ارتدادًا خرافيًا عن جهود فقهية متقدمة للشيخ مفيد ولشريف مرتضى في القرن الحادي عشر.

كتب شريعتي مطولاً في نقده وتسخيف تعاليمه، كما صاغ تعبير "الشيعية الصفوية" كنقيض مدان لـ"شيعية علي".

على عكس الخميني، كان المرجع الأعلى البوروجردي من دعاة عدم التدخل في السياسة، والاقتصار على نصح الحاكم حين يطلب النصح.

أما المرجع الذي حل محله، آية الله شريعتمداري، فكانت آراؤه مشابهة لآرائه، وهو الذي رفع الخميني إلى مرتبة "مرجع" لإنقاذه من حكم الإعدام بعد انتفاضته في 1963.

لاحقًا، تحفظ شريعتمداري على ولاية الفقيه، وعارض تسمية الجمهورية الإيرانية بالجمهورية الإسلامية، حتى لا تُحسب أخطاء السياسة على الإسلام، كما رفض الإعدامات والتصفيات التي أقدم عليها النظام الجمهوري.

تعرض منزل شريعتمداري في قم لإطلاق نار، كما احتُجز هو نفسه في داره، وصودرت مدرسته ومؤسساته. وأخيرًا ظهر شريعتمداري على شاشة التلفزيون، سائلاً الخميني العفو ومعلنًا توبته. وإذ أصيب شريعتمداري بالسرطان، فقد مُنع عنه العلاج في طهران كما مُنع نقله إلى الخارج، ليفارق الروح، "خائنا" ومعزولاً.

أما آية الله منتظري الذي اختاره الخميني وريثًا، فارتكب "هفوات" قاتلة بانتقاده النظام ومعارضته الاعتقالات والإعدامات وصفقة "إيران غيت". وفي النهاية عُزل منتظري، واختير خامنئي بدلاً منه وريثًا.

ترددت شبهات غير مؤكدة حول وفاة آية الله طالقاني صيف 1979. فرجل الدين المعروف بسجله النضالي، والذي عينه الخميني خطيبًا لجامع طهران، هو من تداولت المعارضة معلومات تفيد أن اتساع شعبيته أساء إليه، ونسبت إليه معارضته ولاية الفقيه والإعدامات والمحاكمات وتهميش اليساريين والليبراليين، وأنه حذر من "عودة الاستبداد" قبل اعتزاله العمل السياسي. والمؤكد أن طالقاني أعاد نشر كتاب المرجع النائيني "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" حيث يُقدم الحكم الدستوري بوصفه أفضل الأنظمة في ظل غيبة الإمام الثاني عشر، كما أضاف إليه مقدمة تزكيه كتبها بنفسه. أما وفاة طالقاني عن 68 عامًا فقُدمت مصداقًا للرواية القائلة بأن موته "مدبر".

في لبنان أيضًا لا تُختصر آراء الشيعة والشيعية برأي واحد ولا يستطيع طرف واحد أن يؤممها. فما أفتى به مشايخ "حزب الله" غير ما أفتى به السيد فضل الله أو الشيخ شمس الدين، وقبلهم كانت المساحة فلكية بين فتاوى السيدين محسن الأمين وعبد الحسين شرف الدين.

لكن يبدو أن ما تعرفه السيدة "الأرمنية" يعقوبيان عن غنى الشيعة والشيعية لا يعرفه "حزب الله".

أخبار سوريا الوطن١-الشرق الأوسط

مشاركة المقال: