أعلن آدم عبد المولى، المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، أن حوالي 16.5 مليون شخص في سوريا يعانون من الحاجة إلى المساعدات الإنسانية. وأضاف أن هناك ما يقرب من 2.5 مليون عائد من النازحين داخليًا واللاجئين العائدين من الخارج، والذين فقد الكثير منهم منازلهم بسبب الحرب.
وخلال مؤتمر صحفي عقده يوم الثلاثاء 9 من أيلول قبيل انتهاء مهمته، استعرض عبد المولى جهود الأمم المتحدة في سوريا، مشيرًا إلى أن البلاد لا تزال تواجه أزمة نزوح كبيرة. وأوضح أن أكثر من ستة ملايين شخص يعيشون كنازحين داخل سوريا، بينما يتوزع أكثر من ستة ملايين آخرين كلاجئين في أنحاء العالم.
وكشف عبد المولى أن حوالي 24% من المساكن في سوريا تعرضت للدمار أو الأضرار خلال السنوات الماضية، في وقت تعاني فيه الأمم المتحدة من نقص حاد في التمويل. وأشار في المؤتمر الذي نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا) إلى أن خطة الاستجابة الإنسانية في سوريا لعام 2025 لم تحصل حتى الآن سوى على 14% من أصل 3.2 مليارات دولار مطلوبة لتنفيذها، مما يعيق قدرة المنظمة على تلبية الاحتياجات المتزايدة.
ودعا المجتمع الدولي إلى توفير الدعم المالي اللازم، مؤكدًا أن غياب التمويل يهدد بعرقلة الجهود الإنسانية ويؤخر برامج التعافي والتنمية التي تحتاجها سوريا لتجاوز الاعتماد على المساعدات. وأشاد عبد المولى بتعاون الحكومة السورية، معتبرًا أنه "وثيق ومتزايد"، مشددًا على أن دور الأمم المتحدة يتمثل في دعم الأولويات الوطنية من خلال مشاورات مستمرة لمناقشة الخطط المستقبلية.
وشدّد على أن التنمية تمثل السبيل الأمثل لمواجهة التحديات الإنسانية المتفاقمة في سوريا، حيث يعيش ملايين السوريين في ظروف صعبة تستدعي تدخلًا مستدامًا يتجاوز المساعدات الطارئة. واستذكر عبد المولى تجربته مع بداية مهمته في سوريا عام 2012، حين قرر وقف جميع الأنشطة التنموية تفاديًا لاستغلالها السياسي من قبل النظام آنذاك، معتبرًا أن هذه التجربة رسخت قناعته بأن التنمية يجب أن تكون جزءًا من الحل المستدام لا أداة بيد الصراع.
وكان عبد المولى أشار، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول سوريا في 21 من آب الماضي، إلى ضرورة زيادة التمويل المخصص لدعم التنمية وإعادة الإعمار، معتبرًا أن ذلك يمثل الطريق نحو استغناء البلاد عن المساعدات الإنسانية. كما شدد على أن سوريا تواجه أزمات إنسانية واجتماعية عميقة لا بد من معالجتها عبر تحقيق الاستقرار والمصالحة المجتمعية.
تحديات تواجه البلاد
أصدرت منظمة الهلال الأزرق الدولية للإغاثة والتنمية (IBC) تقريرًا تناولت فيه ملامح الوضع في سوريا بعد سقوط نظام الأسد في أواخر عام 2024، مشيرة إلى مزيج معقد من التحديات السياسية والاقتصادية والإنسانية والأمنية التي تواجه البلاد. وسلّط التقرير الضوء على الانكماش الحاد للاقتصاد، واستمرار الأزمة الإنسانية، وتزايد الحاجة إلى المساعدات في مختلف القطاعات، إلى جانب عودة مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين، وسط مشهد متقلب يتسم بالهشاشة وعدم اليقين حول مستقبل سوريا.
وقالت المنظمة في تقريرها الذي نشرته في 8 من أيلول، إن الاقتصاد السوري انكمش إلى ما يُقدر بـ17.5 مليار دولار في عام 2023، مقارنة بـ60 مليار دولار قبل عام 2011، بينما يحتاج حوالي 16.7 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، كما يعاني أكثر من 14 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي.
الواقع الميداني والاقتصادي
ذكر التقرير أن سوريا بدأت تواجه سلسلة من التحديات المعقدة بعد سقوط النظام، بدءًا من "التشرذم" السياسي والإقليمي، وصولًا إلى التدخلات الأجنبية، والتوترات الطائفية والعنف، بالترافق مع التحول الديمقراطي، وهو ما يلقي بظلاله على الواقع الاقتصادي، ويجعل مسار التعافي "صعبًا". وبحسب تقرير المنظمة، بعثت قرارات تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان الأمل، وحققت هذه الإجراءات نتائج سياسية ملموسة، إذ مهدت الطريق لتجديد الشراكات الإقليمية والدولية، وفي الوقت نفسه، مكّنت من إعادة دمج الاقتصاد السوري في الأسواق الإقليمية والعالمية من خلال تسهيل المعاملات المالية، وفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي المباشر، والتواصل مع رجال الأعمال السوريين في الخارج.
الأزمة الإنسانية
يعاني أكثر من 14 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، بحسب ما ورد في التقرير، ويحتاجون إلى مساعدات غذائية طارئة، وقد فاقمت ظروف الجفاف، الأسوأ منذ أكثر من 36 عامًا، هذه المشكلة، مما أدى إلى تعطيل إنتاج الغذاء وإمدادات المياه. ويشهد الاقتصاد السوري أزمة خانقة، فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بأكثر من 50% منذ عام 2010، ويعيش واحد من كل أربعة سوريين في فقر "مدقع"، بينما يعيش معظم السكان تحت خط الفقر، وقد أدت أزمة السيولة الحادة وارتفاع التضخم إلى صعوبة تلبية احتياجات الأسر الأساسية.
كما تواجه الفئات المستضعفة، وخاصة الأطفال والنساء، مخاطر متزايدة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وزواج الأطفال، والاستغلال. ولا تزال حوادث الذخائر المتفجرة تُشكل تهديدًا كبيرًا، مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين، بحسب التقرير.
جهود إعادة الإعمار
تتخذ الحكومة الجديدة خطوات لتوحيد السياسات الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية لدعم إعادة الإعمار، إلا أن التقدم المحرز محدود بسبب الوضع الأمني المضطرب وحجم الدمار الهائل. وكانت قُدّرت تكلفة إعادة الإعمار في سوريا بما بين 250 و400 مليار دولار أمريكي.
وختم التقرير بأن سوريا لا تزال تعاني من العواقب "الوخيمة" لأكثر من عقد من الصراع، وتتميز الفترة الحالية بهشاشة عملية الانتقال السياسي، واستمرار العنف المحلي، وأزمة إنسانية واقتصادية خانقة، بالمقابل يظل المستقبل غامضًا، ويعتمد على استقرار الحكومة الجديدة، ونجاح جهود المصالحة، ومستوى الدعم الدولي لإعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية. وترى المنظمة في تقريرها أن ذلك يتطلب نهجًا شاملًا ومتكاملًا يجمع بين الاستجابة الإنسانية، وبرامج التنمية، وجهود بناء السلام. وتُعد هذه الاستراتيجية أساسية ليس فقط لتلبية الاحتياجات العاجلة، بل أيضًا لتمهيد الطريق للتعافي طويل الأمد، لا سيما للفئات الاجتماعية ذات نقاط الضعف والحقوق المتميز.
تقرير يقيّم الاستجابة الإنسانية في سوريا بعد سقوط النظام