في ظل التدهور الكبير الذي يشهده القطاع الصحي في سوريا، وغياب منظومة إسعاف فعالة وموثوقة، انطلق مشروع "مبادرة حياة"، وهو مشروع سوري يهدف إلى تأسيس منظومة إسعاف حديثة ومتكاملة. تبدأ المبادرة من محافظة حماة كنموذج تجريبي، تمهيدًا لتعميمها على مختلف المحافظات السورية.
مشروع متكامل خلال عامين
أوضح عمر الحربي، الناطق باسم المنظمة الطبية السورية الألمانية "سيجما" لمنصة سوريا 24، أن المبادرة تأتي استجابة للحاجة الماسة لتوفير خدمات إسعافية فعالة في سوريا، وذلك بعد سنوات من الانهيار الذي شهده القطاع الصحي. وأضاف أن مدة تنفيذ المشروع تتراوح بين 12 و24 شهرًا، وسيتم تنفيذه بالكامل بكفاءات سورية، سواء من داخل سوريا أو من المغتربين المؤهلين في الخارج.
وأشار الحربي إلى أن المشروع يتضمن إنشاء غرفة عمليات طوارئ مركزية في مدينة حماة، بتكلفة تقارب 50 ألف دولار، لتتولى استقبال المكالمات وتوجيه سيارات الإسعاف. ووفقًا للتقديرات، من المتوقع أن تخدم الغرفة أكثر من 400 حالة شهريًا، مع خفض زمن الاستجابة بنسبة تفوق 50%. وأكد أنه تم إطلاق المشروع رسميًا خلال المؤتمر التأسيسي في مدينة كولن الألمانية، حيث بدأت حملة جمع التبرعات. وحتى الآن، تم تأمين نحو 30% من التكلفة الإجمالية البالغة 85 ألف دولار، وذلك بدعم أولي من الجالية السورية في أوروبا.
وقد تم الاتفاق مع محافظة حماة على تخصيص مقر للمشروع، على أن تبدأ العمليات الميدانية في الشهر العاشر من العام الجاري، بالتزامن مع وصول أول دفعة من الكوادر المدربة في ألمانيا إلى سوريا. وبحسب الإعلان الترويجي للمشروع، تهدف مبادرة "حياة" إلى ضمان سرعة الاستجابة للحالات الطارئة وتزويد المشافي بالمعلومات الأساسية عن المريض قبل وصوله، مما يتيح تقديم رعاية أفضل وإنقاذ مزيد من الأرواح. ولا يقتصر دور المبادرة على الخدمة المباشرة فحسب، بل يشكل أيضًا نواة لبرامج تدريبية متقدمة للمسعفين وفق أحدث المعايير العالمية، مع خطة لتوسيع التجربة وتعميمها على باقي المحافظات.
المشروع ليس تجهيزات فقط.. بل إعادة بناء للثقة
أوضحت الدكتورة لينا البرازي، أخصائية طب الطوارئ ومديرة المشروع، أن الهدف يتجاوز تجهيز السيارات أو إنشاء غرفة عمليات، ليصل إلى إعادة بناء منظومة الطوارئ الصحية من الأساس، مشددة على أن الكوادر البشرية تشكل محور المشروع. وأضافت أن غرفة العمليات المركزية ستكون مسؤولة عن تلقي المكالمات وتنسيق حركة سيارات الإسعاف مع المستشفيات، لكن التجهيزات وحدها لا تكفي. فالتركيز الأساسي هو على تدريب المسعفين وفرق التنسيق، وهي الجهات التي تتحكم بالاستجابة كاملة. وأشارت إلى أن اختيار محافظة حماة كنقطة انطلاق جاء بناءً على طلب وزارة الصحة، مؤكدة أن المبنى المخصص داخل مشفى حماة الوطني موجود، لكنه غير مؤهل حاليًا، إذ لا يحتوي سوى على هاتفين وبعض أجهزة البث، ولا يمكنه تغطية احتياجات محافظة كاملة.
وبينت البرازي أن الخطة تبدأ بتشغيل 10 سيارات إسعاف، مع إمكانية التوسعة لاحقًا، بالتوازي مع بدء التدريب. كما أكدت وجود تعاون مستمر بين فريق "سيجما" العامل في ألمانيا ومنظمات طبية ألمانية مثل "مالتيزا" والصليب الأحمر الدولي، التي تقدم الدعم في مجالات التدريب العملي والتقني، وتتيح للفريق الاطلاع على آليات العمل الميداني. وأشارت إلى أن بعض التجهيزات الطبية، مثل أجهزة "إيكو قلب"، قد وصلت بالفعل من مشافٍ ألمانية.
انهيار وثقة مفقودة
وصفت البرازي الواقع الصحي في سوريا بـ"المنهار"، مشيرة إلى أن المشكلة لا تقتصر على نقص المعدات أو الأدوية، بل تمتد إلى ضعف التنظيم داخل منظومة الطوارئ. وقالت: "في حالات توقف القلب أو الإصابات الحرجة، كثير من المواطنين لا يثقون بخدمة 110، فينقلون المريض بسيارات خاصة إلى أقرب مستشفى، غالبًا دون تجهيزات كافية، مما يؤدي إلى تأخير حاسم قد يفقده حياته". وانطلاقًا من ذلك، يعمل الفريق على تطوير منظومة 110 وربطها بغرفة عمليات حديثة وكوادر مدربة، وفق بروتوكولات واضحة تضمن الاستجابة السريعة والفعالة، مما يسهم في إعادة الثقة بالخدمة الإسعافية العامة.
الكفاءات موجودة والمعدات غائبة
اختتمت البرازي حديثها بالتأكيد على أن المشكلة لا تكمن في نقص عدد الأطباء السوريين، بل في غياب البنية التحتية والمعدات. وأوضحت أن العقوبات الدولية تشكل عائقًا كبيرًا، وتجعل الجهات المانحة، بما في ذلك الحكومة الألمانية، أكثر تحفظًا في تمويل الأجهزة، ما يدفع العديد من المشاريع إلى التركيز على التدريب كحل بديل. وأشارت إلى أن الكفاءات الطبية السورية منتشرة في أوروبا وأمريكا، وتمثل فرصة حقيقية لإطلاق مشاريع صحية نوعية في الداخل.