يختار الفنان حسين صقور اسم "الفينيق" كتجديد لذاته، ليس فقط كلقب يميزه، بل كصفة يعتمد عليها في إنتاجه الفني والأدبي. يتميز صقور بتنوع إنتاجه بين القصة والشعر والنقد الفني، ضمن مشروع ثقافي بدأه منذ سنوات. وقد جمع جزءاً من نتاجه في النقد التشكيلي في كتاب صدر قبل عام تقريباً بعنوان "سبر الأغوار / قراءة حسية جمالية ونقدية في التشكيل السوري" عن الهيئة العامة السورية للكتاب، والذي ضم نصوصاً نقدية لفنانين سوريين من جيلي الرواد والمعاصرين، كخطوة أولى في مسيرته. صدر له مؤخراً "وطن الفينيق" (مجموعة قصصية)، و"غريب في جزيرة مهجورة" (نصوص قصصية وشعرية)، و"للون صوت يرفض الحصار" (نصوص شعرية في النقد الفني)، وهي مؤلفات تشكل توليفة تلتقي فيها رؤاه في الحياة والفن.
قراري الإبداعي هو ألا أقيد نفسي، فمن الصائب أن أترك نفسي للهوى والريح لتأخذني كيف شاءت، طالما كنت واثقاً بحكم القدر
تتداخل المضامين عند «الفينيق» لتشكل مساره الكتابي، الذي يتميز بخصوصية عالية ورؤية فلسفية واضحة تقف خلف هذا التنوع الإبداعي، وقراءة لمحيطه ورغبته في التعبير عن كل ما لديه. يعرض «الفينيق» الكيفية التي يمكن للفنون المختلفة أن تثري بعضها.
للون صوت يرفض الحصار” مجموعة نصوص شعرية، تحكي عن أغوار ذات الفينيق المبدعة بكل تجلياتها
يقول «الفينيق» في حديثه لـ«الحرية»: «التعبير الكتابي ملاذ ضمن حياة تحكمها الغوغائية والجهل، وهنا تكمن نعمة الصمت، وفي عمق الصمت صوت ومعنى، وأشعاري وقصصي هي كشف وتأكيد لهذا المعنى. لذلك، فإن قراري الإبداعي هو ألّا أقيد نفسي، حتى وإن ركزت على جانب واحد، فمن الصائب أن أترك نفسي للهوى والريح لتأخذني كيف شاءت، طالما كنت واثقاً بحكم القدر.»
تستمد المجموعة القصصية «وطن الفينيق» جماليتها من إيقاعها الداخلي المشبع بالإنسانية، حيث تنفذ نصوصها إلى ذات المتلقي عبر صور يومية معيشة وأحداث مؤثرة، تستعيدها ذاكرة الفنان لتسائل مفاهيم بالية لم يستطع المجتمع التحرر منها، كما في قصص "ملكتي ومليكتي أليسار" و"أميرة الضوء"، وفيها تكتسب اللحظات الفاصلة بين الحياة والموت ثقلها الدرامي. وفي سلسلة "يوميات مواظب" ضمن المجموعة ذاتها، يكشف الكاتب عن الجوانب السلبية في النسيج الاجتماعي خلال زمن سادته الفوضى وخنقه الفقر، كما في "دروب العيش" و"جسر الموت"، مقدماً سجلاً إنسانياً لواقع تشهد عليه الذاكرة الجمعية. أما في "غريب في جزيرة مهجورة"، فيقدم حكايات وأقوالاً من وحي تجاربه الحياتية، عبر أسلوب تكثيفي للفكرة يماثل قصائد الهايكو كما يصفه. نلمس فيه ذلك "الألم المبدع والشفاف" الذي يعيشه حتى حدود النشوة، بمعنى؛ "إنها خلاصة حياة غنية يقدمها على هيئة قنابل ضوئية وقناديل وترنيمات، تنير درب العبور."
الفعل الإبداعي بكل أشكاله رد فعل عكسي لا مناص منه
ولأن الناقد الفني لا ينفصل عن الشاعر في داخله، يأتي كتابه "للون صوت يرفض الحصار"، وهو مجموعة نصوص شعرية تحكي عن أغوار ذاته المبدعة بكل تجلياتها، عبر لوحات وكلمات. يقول عنها: "تُحقق تلك النصوص فرادتها من منظور حسي وتفاعلي ما بين الكاتب واللوحة والفنان. فالكاتب لا يستعرض التجربة هنا كما مرآة أو من خلال محاكاة، بل يتقمص التجربة ليكشف عن خفايا قد لا تكون مرئية، ثم يعلّق عطره عليها ليترجمها شعراً إبداعياً يتسم بالفرادة والخصوصية القائمتين على تفاعل حسي فريد بين الكاتب واللوحة، وكأن كل شيءٍ حوله ينبثق من آخر."
سألنا «الفينيق» أيضاً: هل هذا التنوع إستراتيجية مقصودة ضمن مسعى إبداعي متكامل، أم هو انعكاس طبيعي لذات لا تقبل التصنيف أو الاختيار في قالب واحد؟ وكانت إجابته: لا أحد يملك القدرة على كبح التداعيات التي تفتح بوابات المشاعر، الشعر ارتعاشات نفس وتوتر روح، وحياتنا غنية بالأحداث، المسألة متعلقة بكيفية تفاعلنا معها، أما أنا فبطبيعتي شخص حالم، غارق في عوالم الذات، تبني مخيلتي على صورة أو موقف عابر وترسم عليه قصصاً ثم تعيشها كما لو كانت حقيقة." وأضاف: الفعل الإبداعي بكل أشكاله رد فعل عكسي لا مناص منه، وهذه الطبيعة الحالمة قد تكون خطرة على صاحبها إن لم تكن محصنة بالصفاء والمحبة وبنوايا الخير، وحينها فقط سيتحول الألم إلى حالة صوفية ونشوة تأتي في سياق التناغم مع طبيعة الأشياء." ومن ثم يؤكد «الفينيق» أن كتاباته «لا تأتي بمحض قرار»، بل تتدفق دفعة واحدة كشلال، لدرجة أنه يعود إليها لاحقاً كقارئ «تُدهشه بعض المفردات التي لم يكن يعتقد بوجودها في قاموسه اللغوي».
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية