بعد قضاء أكثر من شهر، عاد الناشط العمالي الأميركي كريس سمولز إلى الولايات المتحدة، حاملاً معه شهادة قاسية من السجون الإسرائيلية. فبعد أيام قضاها خلف القضبان، تعرض خلالها للضرب والتعذيب النفسي وأصيب بالجدري، يؤكد سمولز أنه "أكثر حماسة من أي وقت مضى للنضال من أجل حرية الفلسطينيين".
وفي مقابلة مع موقع «الأخبار» بالإنجليزية عبر «زووم»، أوضح سمولز، بين المقابلات واللقاءات المتلاحقة مع ناشطين آخرين، أنه لم يحظَ بالوقت الكافي للراحة، وأنه يسعى جاهداً لمواصلة النضال ورفع شعار حرية فلسطين عالياً.
يذكر أن سمولز كان ضمن 21 راكباً على متن سفينة حنظلة (أسطول الحرية)، التي اعترضتها القوات الإسرائيلية وداهمتها في 26 تموز في المياه الدولية قبالة ساحل غزة، أثناء محاولتها إيصال مساعدات إنسانية للسكان. وقد اعتقلت القوات الإسرائيلية جميع الركاب.
ويصف سمولز المعاملة التي تلقاها لدى وصوله إلى البر بأنها تمييز عنصري، خاصة وأنه كان الراكب الوحيد ذا البشرة الداكنة من بين سبعة أميركيين على متن السفينة. فقد طرحوه أرضاً، ولفّوا ذراعه، وخنقوه، وركلوه، وسحبوه من شعره وجرّوه على الأرض، قبل أن يحتجزوه في زنزانة ضيقة واجه فيها صعوبة في التنفس. وداهم الحراس الزنزانة مرتين، وعمدوا في إحدى المرات إلى تجريده من ملابسه بالكامل.
ويصف سمولز العنصرية التي واجهها في السجون الإسرائيلية بأنها الأسوأ على الإطلاق. وفي مقابلة مع مجلة «رولينغ ستون»، يلفت الناشط البالغ 37 عاماً إلى أن «الكراهية تنبعث منهم بشكل واضح». وعلى الرغم من سوء المعاملة الشديد الذي تعرض له، فهو يحرص دائماً على تحويل النقاش إلى ظروف الفلسطينيين، موضحاً للجمهور أن تجربته تمثل جزءاً صغيراً مما يُجبَر الفلسطينيون على تحمله تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت مجلة «تايم» قد اختارت سمولز في عام 2022 كأحد أكثر الأشخاص تأثيراً في العالم بعد فوزه بحملة غير مسبوقة لتشكيل نقابة للعاملين في «أمازون». كما دُعي إلى البيت الأبيض للقاء جو بايدن وكمالا هاريس، وتلقى إشادة من نواب تقدميّين مثل برني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو-كورتيز. ولكن مع تزايد نشاطه التضامني مع فلسطين خلال السنوات القليلة الماضية، بدأ الدعم الذي كان يتلقاه من العديد من الشخصيات البارزة يخفّ تدريجياً. ويؤكد سمولز أنه بحلول وقت مداهمة الأسطول في تموز، لم يتلقَّ أي دعم تقريباً من الحكومة الأميركية أو من حلفائه السابقين مثل ساندرز أو أوكاسيو-كورتيز.
وفي حديث إلى موقع «AAE» الإخباري، يؤكد سمولز أن من المؤسف أن السفارة الأميركية ووزارة الخارجية الأميركية والسياسيين الذين يصفون أنفسهم بالتقدميين، لم يقولوا أو يفعلوا شيئاً يُذكر. ويضيف: «أعتمد دائماً على مجتمعنا ليكون بجانبي، وكنت محقاً في ذلك، فقد ثبت لي أن خلاصنا لا يمكن أن يكون على أيدي السياسيين».
أُفرج الاحتلال الإسرائيلي عن سمولز والناشط التونسي حاتم العويني في 31 تموز، ليكونا بذلك آخر ناشطين على متن «سفينة حنظلة» يتم ترحيلهما. ومنذ عودته إلى نيويورك، يواصل سمولز إجراء المقابلات بلا هوادة، والمشاركة في التجمعات والفعاليات، التي كان آخرها منذ نحو أسبوع، عندما خاطب حشداً كبيراً من الناشطين في مؤتمر «الشعب من أجل فلسطين» في ديترويت.
وفي خضم ذلك، حصل موقع «الأخبار» بالإنجليزية على فرصة للحديث مع سمولز حول نشاطه، وآرائه حول «أسطول الصمود العالمي» المتجه حالياً إلى غزة، ورؤيته للوضع الحالي للحركة العمالية، والتضامن الدولي، وجهوده لإحياء «حزب العمل الأميركي» قبيل انتخابات 2028.
يشير سمولز إلى أن تجربته على متن سفينة حنظلة واحتجازه علمته كيفية العيش على سفينة لأكثر من أسبوع، وهو ليس بالأمر السهل، خصوصاً على سفينة صيد قديمة تعود إلى عام 1968. ويضيف أن النجاة في البحر الأبيض المتوسط كان تحدياً كبيراً، كما أن التدريبات على التعامل مع الجيش الإسرائيلي، أحد أخطر الجيوش في العالم، كانت بنفس القدر من الصعوبة والإثارة. ويؤكد سمولز أنه لن ينسى هذه التدريبات أبداً.
ويضيف سمولز أن الأهم من ذلك، زرعت هذه التجربة فيَّ شيئاً من التواضع، وذكرتني كيف استطعنا التغلب على العقبات التي نواجهها. ويشير إلى أنه عندما خاض معركة «أمازون»، كان يستند إلى قاعدة قوية ومجتمع متماسك وفريق تنظيمي تجمعه روابط عائلية، وهو الأمر نفسه الذي اختبره على متن «سفينة حنظلة».
ويوضح سمولز أنهم كانوا 21 متطوعاً، منهم 19 ناشطاً وصحفيّان، وكان عليهم العيش معاً لأيام متتالية على سفينة صيد ضيقة. ويؤكد أن هذه التجربة تبني رابطاً عائلياً متيناً. أما الدرس الأهم، فهو أنه كان يعلم أن الشخص الذي بجانبه، سواء على اليسار أو اليمين، سيكون معه طوال الطريق، رغم ضعفه وكونه الرجل الداكن البشرة الوحيد على متن السفينة. ويضيف أنهم جميعاً كانوا يتشاركون نفس العقلية ونفس الهدف: كسر الحصار غير القانوني على غزة.
وعن مداهمة قوات الاحتلال لسفينتهم، يقول سمولز إنه كان يتوقع كل شيء. ويضيف أنه من منظور تاريخي، كان يعلم أنه سيواجه نوعاً من التمييز. ويشير إلى أن الجيش الإسرائيلي، على سبيل المثال، طبّق معهم الروتين نفسه الذي اعتاد التعامل به مع الأساطيل السابقة. ويوضح أنه لم يواجه العنف إلا بعد نقله إلى سلطات الهجرة. أما الجيش الإسرائيلي فكان بالتأكيد قد أنجز ما هو مطلوب منه مسبقاً؛ إذ كان معهم ملفات تحتوي على معلومات عنهم ولوحات صغيرة، أي أنّهم أجروا بعض الأبحاث عنهم، لكنهم لم يتفاعلوا معه كثيراً.
ويضيف سمولز أنه واجههم أثناء مغادرة السفينة في الصباح، بعدما أجبروه على الإبحار معهم لمدة 12 ساعة. ويقول إنه قال لهم: «بصفتي مواطناً أميركياً، أقول لكم إنكم تعتمدون بشكل كامل على أموال دافعي الضرائب الأميركيين، ولولاها لما كانت لديكم أسلحة أو قدرة على ارتكاب الإبادة الجماعية. يجب أن تخجلوا من أنفسكم. ما تفعلونه غير إنساني. أنتم لستم بشراً».
ويوضح سمولز أنهم لم يعجبهم ما قاله بالتأكيد، لكنهم لم يفعلوا شيئاً إزاء ذلك لأنهم كانوا في صدد نقله إلى سلطات الهجرة، والتي أخذت على عاتقها مهاجمته واستهدافه بسبب ما قاله، مدفوعةً باعتبارات عنصرية. ويضيف أنه نظراً إلى كونه رجلاً ذا بشرة داكنة، أرادوا أن يجعلو منه «عبرة» لغيره.
ويشير سمولز إلى أنه حين كان في السجن لاحظ أن معظم السجناء الآخرين كانوا من المهاجرين الإثيوبيين. ويؤكد أنه اختبر العنصرية نفسها التي واجهها في أميركا هناك، لكنها كانت أسوأ. ويضيف أنه كان هناك أيضاً حراس سجن إثيوبيون. ويقول إنه المشهد ذاته، يستخدمون أشخاصاً من ذوي البشرة الملوّنة للتغطية على حقيقة أنهم يمارسون اضطهاداً ممنهجاً. ويضيف أنهم يحاولون الإيحاء بأنهم منفتحون، وتراهم يستخدمون هذا الخطاب حتى في دعايتهم مع الجيش الإسرائيلي أيضاً، عندما كانوا يقولون: «لسنا عنصريين، لدينا أفارقة في صفوف الجيش»، ويعرضون صوراً لأفارقة يحملون السلاح.
ويوضح سمولز أنهم مُخدَّرون بالدعاية، ويُستخدَمون كأدوات لترديد روايات معينة، وهم في الواقع يقومون بعمل أسيادهم، ويؤدون المهمة القذرة لصالح قادة المنظومة العنصرية البيضاء التي تُبقي هذا النظام قائماً. ويضيف أنه رغم وجود إثيوبيين معتقلين، كان هناك أيضاً إثيوبيون على الجهة الأخرى كحراس سجون.
ويختتم سمولز بالإشارة إلى أن المشهد نفسه ينسحب مثلاً على مسألة ترحيلات «وكالة الهجرة والجمارك الأميركية» (ICE). إذ ينحدر الكثير من عملاء الوكالة أنفسهم من أصول مكسيكية أو لاتينية، وهم من ذوي البشرة الملوّنة أو الداكنة. ويقول إنه طبعاً ثمة عناصر من العرق الأبيض، لكنهم يتعمّدون استخدام كل الفئات الديموغرافية ليظهروا الأمر وكأنه ليس مرتبطاً بالعنصرية، بل بمكافحة «الإرهاب» أو «الهجرة غير الشرعية». ويؤكد أنه لمس الأمر نفسه تماماً في الكيان الإسرائيلي. ويختتم بالقول إنه سواء كان الحراس من ذوي البشرة الملونة أو البيضاء، النتيجة واحدة: وهي ممارستهم العنصرية والتمييز الممنهج، وخاصة ضد الفلسطينيين والإثيوبيين، وذوي البشرة السوداء والعرب أيضاً.