الثلاثاء, 16 سبتمبر 2025 02:32 PM

سوريا وملف الكيماوي: فرص دولية ومساءلة منتظرة

سوريا وملف الكيماوي: فرص دولية ومساءلة منتظرة

أكد نضال شيخاني، مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا، في تصريح لمنصة إخبارية، على أهمية محاسبة المسؤولين عن مجازر الكيماوي، وإنصاف الضحايا، وتخليص البلاد من هذا العبء الثقيل الذي أثقل كاهل السوريين لعقود.

وجاءت تصريحات الشيخاني تعقيبًا على تأكيد الأمم المتحدة، خلال جلسة لمجلس الأمن بحضور إبراهيم العلبي، ممثل سوريا الدائم لدى المجلس، على وجود "فرصة حاسمة حاليًا" لمعالجة ملف الأسلحة الكيميائية في سوريا، وذلك في ظل تعاون الحكومة السورية الجديدة مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بعد سنوات من الجمود والاتهامات المتبادلة التي طغت على هذا الملف الحساس.

وأشار الشيخاني إلى "مؤشرات إيجابية" من الإدارة الجديدة في سوريا، تجسدت في السماح للفرق الدولية بزيارة المواقع المشتبه بصلتها بأنشطة كيميائية، معتبرًا هذه الخطوة "ذات قيمة بالغة" في مسار إعادة بناء الثقة وتأكيد الالتزام بالتعاون الكامل والشفاف مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وأعرب عن أمله في أن تتحول هذه المبادرات إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع، تشمل ملاحقة المتورطين، وإنصاف الضحايا، وتطهير البلاد من هذا الإرث الثقيل.

وفي مطلع نيسان/أبريل الماضي، كشفت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عن تقديرات تشير إلى وجود أكثر من 100 موقع يُحتمل ارتباطها ببرنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا، تم اكتشافها بعد سقوط نظام الأسد السابق. وفي آذار/مارس الماضي، زار وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مقر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي، معلنًا التزام الحكومة السورية الجديدة بتدمير بقايا البرنامج الكيميائي الذي أنشأه النظام السابق، والامتثال للاتفاقيات الدولية.

ووثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 222 هجومًا كيميائيًا في سوريا منذ أول استخدام للأسلحة الكيميائية في 23 كانون الأول/ديسمبر 2012 وحتى 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، نفذت قوات نظام الأسد السابق قرابة 98% منها، ونحو 2% على يد تنظيم داعش.

وبحسب الشبكة، نفذت قوات النظام 217 هجومًا كيميائيًا، أسفرت عن مقتل 1514 شخصًا، بينهم 1413 مدنيًا (214 طفلًا، و262 سيدة)، و94 من مقاتلي المعارضة المسلحة، و7 من أسرى قوات النظام السابق المحتجزين لدى المعارضة. كما أُصيب 11080 شخصًا، بينهم 5 أسرى من قوات النظام كانوا محتجزين لدى المعارضة. ونفذ تنظيم داعش خمس هجمات كيميائية في محافظة حلب، تسببت بإصابة 132 شخصًا.

وفي هذا السياق، شدد الشيخاني على ضرورة إنشاء كيان قضائي مستقل يُعنى بمحاكمة جميع القضايا المرتبطة باستخدام الأسلحة الكيميائية، بما يضمن تحقيق التوازن بين العدالة والشفافية، ويعزز مصداقية الدولة السورية في التزامها بمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان. وأكد أن مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا يؤمن بأن هذه المرحلة تتطلب شجاعة سياسية، وإرادة وطنية صادقة، وتعاونًا دوليًا مسؤولًا، من أجل طي صفحة مؤلمة من تاريخ سوريا، وفتح آفاق جديدة نحو مستقبل أكثر عدلًا وإنصافًا.

وفي حزيران/يونيو الماضي، ذكرت إيزومي ناكاميتسو، الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح الكيميائي، خلال إحاطة في مجلس الأمن، أن فريقًا من الخبراء الفنيين من الإدارة التقنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية زار دمشق في شهر آذار/مارس، لبدء العمل على إنشاء وجود دائم للمنظمة في سوريا، والبدء في التخطيط المشترك لإيفاد فرق إلى مواقع الأسلحة الكيميائية.

وفي أول خطاب له أمام مجلس الأمن، أكد مندوب سوريا الدائم الجديد، إبراهيم العلبي، أن سوريا عازمة على إنهاء ملف الأسلحة الكيميائية بشكل نهائي، مشيرًا إلى أن العاملين في هذا الملف بدمشق "شهود وناجون من هذا السلاح"، وهم مصممون على المضي قدمًا "حتى اليوم الذي تصبح فيه سوريا نقية من آثاره".

يُذكر أنه في 21 آب/أغسطس 2013، نفذت قوات نظام الأسد السابق هجومًا استهدف الغوطتين الشرقية والغربية في ريف دمشق بصواريخ محمّلة بغاز السارين، ضمن سياسة ممنهجة لاستخدام الأسلحة الكيميائية ضد السكان المدنيين، واستهداف واضح للأطفال والنساء، بقصد إرهاب المجتمع وفرض السيطرة بالقوة. وسجلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 1144 شخصًا اختناقًا، أي ما يعادل قرابة 76% من إجمالي ضحايا الهجمات الكيميائية التي نفذها النظام منذ كانون الأول/ديسمبر 2012 وحتى أيار/مايو 2019.

وفي السياق ذاته، رأى الباحث في القانون الدولي، فراس حاج يحيى، أن تصريحات الأمم المتحدة الأخيرة تعكس "لحظة بالغة الأهمية" لإنهاء هذا الملف المأساوي، موضحًا أن الأمر يتصل ببعدين رئيسيين: أولهما تحقيق العدالة للضحايا، وثانيهما استعادة مصداقية الدولة السورية في التزامها بمبادئ القانون الدولي. وشدد على أن التنسيق الجاد والشفاف بين الحكومة السورية الجديدة والأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية "شرط أساسي لإنجاح العملية وتحويلها إلى خطوة تأسيسية نحو بناء الثقة ومعالجة ملفات أكثر تعقيدًا في المستقبل".

ويشكل ما يشهده ملف الأسلحة الكيميائية في سوريا اليوم تحولًا نوعيًا، إذ يفتح الباب أمام فرصة تاريخية لإغلاق هذا الملف الذي طالما استُخدم كسلاح سياسي في أروقة الأمم المتحدة، وسط تحذيرات من أن التحديات الأمنية واللوجستية، فضلًا عن استمرار الضربات الإسرائيلية، قد تعرقل الجهود المبذولة على الأرض. وبينما رحبت أطراف دولية وإقليمية بالتطورات الأخيرة، تبقى الأنظار شاخصة نحو الخطوات العملية المقبلة، خصوصًا مع إعلان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية نيتها زيارة عشرات المواقع الإضافية. وفي حال تُكلّلت هذه المساعي بالنجاح، فإنها لن تعني فقط طيّ صفحة من أكثر الملفات دموية في تاريخ سوريا الحديث، بل قد تشكّل أيضًا نموذجًا دوليًا يُحتذى به في كيفية التعامل مع قضايا نزع السلاح في مناطق النزاع.

مشاركة المقال: