بابتسامة رغم الندوب الظاهرة، تدخل زينب مستراح، الشابة البالغة من العمر 27 عامًا، برفقة والدتها إلى غرفة مخصصة لجرحى البيجر. قبل التفجير، كانت زينب تستعد لحياة زوجية سعيدة مع خطيبها أحمد، لكن تفجير إسرائيل لأجهزة "البيجر" في 17 أيلول/سبتمبر 2024، بدد أحلامها وأحلام آلاف آخرين، مخلفًا 12 قتيلاً وأكثر من 3000 جريح.
تصف زينب كيف أن الحرب "أطفأت أضواء كثيرة"، بما في ذلك بصرها، وكيف أصيبت في عينيها أثناء وجودها في منزلها. ورغم أنها لم تفقد وعيها، إلا أنها أدركت حجم الكارثة لاحقًا في المستشفى. تروي زينب لـ"النهار" أنها ظنت في البداية أن المشكلة في جهاز منزلهم، قبل أن تدرك أن إسرائيل فخخت آلاف الأجهزة.
بعد خمسة أيام، ظهرت إصابات أخرى لنساء وأطفال وشباب. واجهت زينب حقيقة فقدان عينها اليسرى واستعادة 10% فقط من بصرها في العين اليمنى، بالإضافة إلى فقدان ثلاثة أصابع من يدها اليمنى. خضعت لـ 14 جراحة وتنتظر ثمان أخرى، وسافرت إلى إيران لتلقي العلاج في مستشفى "محب كوثر" بطهران، حيث استذكرت تجربتها مع جريحة أخرى.
منذ أسبوعين، دخلت زينب القفص الذهبي مع شريك حياتها محمد بعد ثماني سنوات من الحب. إصابتها غيرت مسار حياتها، لكنها لم تفكر في مطالبة محمد بالرحيل. تؤكد زينب أن الحب انتصر على كل شيء، وقررا معًا البحث عن حلول لحياة جديدة، حيث يقيمان في منزل عائلتها وترافقها والدتها في رحلتها إلى الجامعة، بعدما قررت العودة إلى مقاعد الدراسة.
رغم الخسارات، تتمسك زينب بالأمل وتؤكد أنه لا مجال للاستسلام، وأن حياتهم لن تتوقف كما أرادت إسرائيل. وتصر على المضي قدمًا وتغيير خططها وتحلم من جديد.
استقبلت المستشفيات نحو 2800 جريح في أقل من نصف ساعة، غالبيتهم بإصابات بالغة في العيون والوجه واليدين. ولا يزال الجرحى يخضعون لجراحات تجميلية، وتتكفل وزارتا الصحة العامة والشؤون الاجتماعية، و"مؤسسة جرحى البيجر" و"حزب الله" والمتبرعين، بتكاليف العلاج. اعتبر خبراء أمميون أن هذه الهجمات ترقى إلى "جرائم حرب".
شهد مركز العيون في المتحف تدفقًا غير مسبوق لجرحى انفجار البيجر. عمل الدكتور الياس جرادي أيامًا متواصلة لإنقاذ ما تبقى من نظر وحياة، واصفًا الوضع بالكارثي والإجرام بأنه يفوق الوصف.
روان الموسوي لم تكن تتوقع أن صوت الجهاز الذي انفجر في منزلها سيغير حياتها إلى الأبد. فقدت بصرها في كلتا العينين وبُترت يدها اليسرى، لكنها تؤكد أن لا شيء سيكسر إرادتها. يصعب عليها الرد على أسئلة طفلها الصغير، لكن بعد زرع عين اصطناعية، عادت البسمة إلى وجه طفليها.
حسن نصر الدين، الذي كان يعمل في مستشفى الرسول الأعظم، سقط في غيبوبة بعد انفجار جهاز البيجر أمامه. فقد عينه اليسرى وجزءًا من بصره في اليمنى، لكنه يؤكد أنه لن يدع العدو ينال من عزيمته، وأن الإصابة زادته إصرارًا على استكمال دراسته.
يشرح الدكتور الياس جرادي أن جراحة العين معقدة وترتبط برد فعل الجسم، وأن العمليات الكبيرة تحتاج إلى سلسلة طويلة من التدخلات المتواصلة.
تصف شابة تعمل في عيادة تجميلية صعوبة التعامل مع جرحى البيجر الذين فقدوا بصرهم، مشيرة إلى أن جروحهم كانت عميقة وقاسية، وأنها وجدت في صمتهم وابتساماتهم قوة تفوق الوصف.
* صحيفة النهار اللبنانية