الأربعاء, 17 سبتمبر 2025 05:34 PM

تخفيض حصص التربية الإسلامية في سوريا يثير استياءً واسعًا: ما دوافع القرار وتداعياته؟

تخفيض حصص التربية الإسلامية في سوريا يثير استياءً واسعًا: ما دوافع القرار وتداعياته؟

أثار قرار تخفيض عدد حصص التربية الإسلامية الأسبوعية في المدارس السورية موجة استياء واسعة النطاق بين السوريين. وقد دعا عدد من العلماء والمعلمين والتربويين إلى مراجعة هذا القرار، معربين عن انتقادهم لوزارة التربية.

في المقابل، قامت وزارة التربية بزيادة حصص الموسيقى والفنون، لتحل محل الساعات التي كانت مخصصة لتدريس مادة تعليم القرآن الكريم، والتي كانت معتمدة في المدارس في مناطق الشمال السوري "المحررة".

أثار هذا القرار سخطًا كبيرًا، وتسبب في توجيه رسائل عديدة من الشرعيين وغيرهم إلى وزير التربية السوري الدكتور محمد عبد الرحمن تركو، بالإضافة إلى خطابات موجهة إلى رئيس الجمهورية أحمد الشرع، مطالبة بالتدخل.

وفي تعليقه على ذلك، صرح الداعية السوري وسام القسوم لموقع حلب اليوم بأن "الثورة السورية العظيمة لم تكن حراكًا سياسيًا فقط، بل كانت ثورة على الفساد بجميع جوانبه، ونحن لا نريد العودة للوراء بإضعاف منظومة الوعي التربوي والأخلاقي لدى الجيل. لذا لا يمكن النظر إلى التربية الإسلامية على أنها حصة تدريسية فحسب، بل هي ركيزة من ركائز بناء المجتمع وقوته على أسس أخلاقية".

وحول التغييرات التي طرأت على المناهج، أوضح القسوم أن "ما هو مؤكد حتى الآن هو تخفيض عدد ساعات التربية الإسلامية بحسب خطة وزارة التربية من أربع حصص إلى اثنتين في عموم أرجاء سوريا، بعد أن كانت تدرس بمعدل أربع ساعات في المناطق المحررة (سابقًا) في الشمال السوري".

يأتي هذا التخفيض ضمن سلسلة تغييرات شملت مناهج التعليم مع بداية العام الدراسي الجديد، ومن أبرزها حذف جميع الإشارات والرموز المرتبطة بنظام الأسد من كافة المواد، وإلغاء مادة التربية الوطنية، مع توزيع درجاتها على مادتي التاريخ والجغرافيا، وإلغاء درجتها في المرحلة الثانوية، واعتماد علم الثورة السورية بدلاً من الرموز السابقة، وإزالة النصوص والصور والشعارات المرتبطة بحزب البعث والنظام البائد.

وأشار القسوم إلى أن تخفيض عدد ساعات التربية الإسلامية "لا ينظر إليه الناس في مجتمعنا على أنه تعديل في المنهاج بقدر ما هو تغييب أو إضعاف لهوية البلد، لا سيما وأن ما ينعم به بلدنا الآن من أجواء الحرية والكرامة لم تكن إلا عبر تضحيات جسام امتدت أربعة عشر عاماً وارتكزت في معظمها إلى بعد ديني وانتماء بالشعور لهذا الوطن".

كما نوّه بوجود تسريبات حول قرار بطي علامة التربية الإسلامية من المجموع العام في الشهادة الثانوية، معتبرا أن الوزارة "إذا أقرت ذلك فإنها تدخل في مواجهة مباشرة مع المجتمع، ولن تستطيع تمرير هكذا قرار".

وفي بيان صادر عن مجموعة "معلّمو سوريا"، قالت إنها "تلقت ببالغ الأسف إلغاء مادة القرآن الكريم كحصة مستقلة ضمن المنهاج الدراسي، واستبدالها بمادتَي الموسيقى والفنون، إلى جانب تقليص مادة التربية الإسلامية إلى حصتين فقط أسبوعيًا"، واصفة القرار بأنه "يُشكّل خطرًا حقيقيًا على هوية أبنائنا التربوية والدينية".

وقال الدكتور أحمد صطيف، المختص بأصول التربية، في تعليقه على الموضوع، إن القرار "ليس مجرد تعديل إداري، بل محاولة خطيرة لطمس هويتنا الإسلامية وإضعاف دور الدين في التربية، فهو يؤدي إلى إضعاف الانتماء الإسلامي لدى طلابنا، وتقديم الدين كأنه مادة ثانوية يمكن الاستغناء عنها".

ورأى في القرار "تكرارا لسياسات التغريب التي حذر منها العلماء، وتجاهلا لمبادئ الثورة التي قامت من أجل الحفاظ على هويتنا ومبادئنا"، داعيا إلى "المطالبة بإعادة مادة القرآن والآداب وتعزيزها، والتكاتف كأهالي ومعلمين وطلاب للدفاع عن هويتنا، واستخدام الوسائل السلمية والإعلامية للضغط حتى يُلغى القرار".

من جانبه قال الدكتور أيمن البلوي، المختص بالفقه الإسلامي، في رسالة وجهها ‏إلى الرئيس أحمد الشرع، إن "وزارة التربية أهم من أي وزارة أخرى.. إنها وزارة صناعة الرجال.. والتي تكافح أسس الجرائم في المجتمع.. إنها وزراة "وأعدوا..". إن التحديات عظيمة فهل نواجهها بتحجيم التربية الإسلامية؟ نواجهها بالموسيقى؟!".

وأضاف: "أنت من عينت وزير التربية.. أنت المسؤول الأول أمام الله أولا، ثم أمام الثوار المجاهدين الذين جاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا!، صحيح أن الشعب السوري قد تعرض لعملية تجهيل ديني من قبل نظام البعث المجرم.. لكنني أشهد أنه من أكثر الشعوب تعطشا للدين إن قدم له من يد ناصحة!".

وتقدّم "بنصيحة للسوريين.. قوموا بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ولتتناصحوا.. تكلموا.. راسلوا.. طالبوا العلماء.. الدعاة عندكم للتحدث وللتصحيح.. التربية أولا..بل وأخيرا.. ولتكن رسائلكم لا لوزير التربية..بل لمن عين هذا الوزير.. أحمد الشرع.. لأنه القادر على تغييره.. بإذن الله".

بدوره قال الشيخ نور الدين العطار، إن "إنقاص عدد حصص الديانة في سوريا، وزيادة عدد حصص الموسيقا"، لم يبدأ اليوم، بل بدأ مع الاحتلال الفرنسي الذي "حارب ثقافة أهل البلد، ودينهم ولغتهم.. وكان من جملة ذلك أنهم عمدوا إلى علوم الدين التي كانت تُدرّس من فقه وتجويد وحديث.. إلخ؛ فأدمجوها في مادة واحدة، وسمَّوها «الديانة» أو «التربية الدينية» ، فصار عندنا «التربية الدينية» كما عندنا «التربية الفنية» التي تشمل الرسم والنحت وما شابه، و«التربية الموسيقية» ، و«التربية البدنية» ويعنون بها الرياضة البدنية، وبذلك يتبيّن أن هذه التسمية تسمية عالَـمانية، وهي جزء من نظام التعليم المستورَد الذي لا يمثّلنا، وهو من بقية الفَرْنَسة".

وأضاف: "حق الشعوب أن يُعلم أنه ليس في ديننا معشر المسلمين شيء اسمه مادة «الدّيانة» .. فهذا الإجمال قد يناسب الأديان الأخرى .. أما ديننا ففيه عدد من العلوم، وكلها أهم من معظم ما يلقَّن للطلاب في المدارس، وألصق بحياتهم المؤقتة والأبدية من كثير من المواد المدرَّسة… فالحقيقة أنَّه ينبغي أن ترجع الأمور إلى نصابها.. فيكون لكلِّ واحد من علوم الدين حصصه الكافية: (التزكية، تلاوة القرآن والتجويد، التفسير والاستحفاظ، الحديث، التوحيد (العقيدة)، السيرة، الفقه (علم الحال) )، هذا ما ينبغي أن يكون المطلب الواضح للمؤمنين اليوم، فاللهم وفّقنا ووفِّق ولاة أمورنا للإصلاح كما تحب وترضى".

وكانت قد ظهرت في الآونة الأخيرة تعديلات عديدة في المناهج الدراسية بسوريا، شملت التربية الإسلامية وغيرها من المواد، وتمثلت في حذف بعض العبارات أو الفصول، واستبدال أخرى، وتغييرات في تقييم المواد مثل التربية الوطنية، أو تعويض درجاتها أو جعلها جزءًا من مادة دينية، وهو ما أثار جدلا في الشارع السوري، حول هوية التعليم ومحاولة فرض مفاهيم علمانية.

مشاركة المقال: