عرقلت الولايات المتحدة الأمريكية، يوم الخميس، مجدداً تبني مجلس الأمن الدولي لنص يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر والمدمر. ويحظى هذا الاقتراح بتأييد غالبية الدول الأعضاء التي تسعى للتحرك في مواجهة الحرب المستمرة منذ 23 شهراً.
وكان الأعضاء المنتخبون (العشرة غير الدائمين) في مجلس الأمن قد أطلقوا في نهاية آب/أغسطس مناقشات بشأن مشروع القرار، وذلك رداً على إعلان الأمم المتحدة رسمياً عن المجاعة في غزة.
ودعت نسخة أولى من النص إلى الإزالة الفورية لجميع العوائق أمام إدخال المساعدات. لكن مصادر دبلوماسية أفادت بأن فرنسا والمملكة المتحدة أبدتا تشكيكاً في جدوى قرار إنساني بحت صادر عن هيئة مصممة للحفاظ على السلام والأمن العالميين، وهو ما يمكن للولايات المتحدة عرقلته بكل الأحوال.
أيدت النص 14 دولة من الدول الـ 15 الأعضاء في المجلس، فيما استخدمت الولايات المتحدة العضو الدائم فيه حق النقض.
ودعا النص إلى رفع القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية، وإلى "وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في غزة"، إضافة إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الرهائن.
ومن أصل 251 شخصاً اختُطفوا خلال هجوم غير مسبوق نفذته حركة حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، لا يزال 47 محتجزين في غزة، من بينهم 25 قضوا، وفقاً للجيش الإسرائيلي.
وسبق للولايات المتحدة أن رفضت مشاريع قرارات مشابهة طُرحت للتصويت في مجلس الأمن، وكان آخرها في حزيران/يونيو عندما استخدمت حق النقض لحماية حليفتها إسرائيل.
وقالت المبعوثة الأميركية مورغان ارتاغوس قبل التصويت "ترفض الولايات المتحدة هذا القرار غير المقبول... تواصل الولايات المتحدة العمل مع شركائها على إنهاء هذا النزاع المروع"، مشددة على وجوب أن تفرج حماس عن الرهائن "وأن تستسلم فورا".
أثارت الاستخدامات الأميركية للفيتو تساؤلات حول جدوى المحاولة مجدداً.
وقبل التصويت، أوضحت الدبلوماسية الدنماركية كريستينا ماركوس لاسن أن هدف المحاولة المتجددة هو توجيه "رسالة مفادها أن مجلس الأمن لا يتخلى عن مدنيين يموتون من الجوع أو عن الرهائن أو عن المطالبة بوقف إطلاق النار".
وتابعت "هناك جيل قد نفقده، ليس فقط بسبب الحرب ولكن أيضاً بسبب الجوع واليأس (...) هذا هو الوضع الإنساني الكارثي، هذا هو الإخفاق الإنساني والبشري الذي أجبرنا على التحرك اليوم".
وكان الفيتو السابق أثار غضب الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن والذين يعربون بشكل متزايد عن إحباطهم إزاء الفشل في الضغط على إسرائيل لإنهاء محنة سكان قطاع غزة.
من جهته، قال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون الخميس "إن القرارات ضد إسرائيل لن تُحرر الرهائن ولن تضمن الأمن في المنطقة".
وأضاف "ستواصل إسرائيل محاربة حماس وحماية مواطنيها، حتى لو كان مجلس الأمن يفضل غض الطرف عن الإرهاب".
وتواجه الدولة العبرية ضغوطاً دولية لوقف الحرب التي اندلعت عقب هجوم حركة حماس على أراضيها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وأسفر الهجوم عن مقتل 1219 شخصاً على الجانب الإسرائيلي، معظمهم من المدنيين، وفق تعداد لوكالة فرانس برس استناداً إلى بيانات إسرائيلية رسمية.
وقُتل أكثر من 65 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، في قطاع غزة جراء الحملة العسكرية العنيفة التي باشرها الجيش الإسرائيلي عقب الهجوم، وفق أرقام وزارة الصحة التابعة لحماس، والتي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.
كذلك، نزحت الغالبية العظمى من سكان القطاع الفلسطيني البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة والذين حاصرتهم إسرائيل منذ بداية الحرب. ولم تصل المساعدات الإنسانية إلا بشكل محدود إلى القطاع، فيما خُفِّف نسبياً منذ نهاية أيار/مايو الحصار الذي شددته إسرائيل في أوائل آذار/مارس 2025.
وأكد خبراء شركاء للأمم المتحدة في آب/أغسطس حدوث مجاعة في جزء من القطاع، لكن إسرائيل تنفي ذلك وتتهم حماس بنهب المساعدات.
إلى ذلك، اتهمت لجنة تابعة للأمم المتحدة إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة، في تقرير وصفته إسرائيل بأنه "متحيز ومضلل". وفي عام 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ومن جهتها قالت حركة حماس، الخميس، إن استخدام الولايات المتحدة سلطة النقض (فيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار بغزة، يمثل "ضوءا أخضر لاستمرار جرائم القتل والتجويع والهجوم الإجرامي المتوحش على مدينة غزة".
وأضافت الحركة، في بيان، أن "إفشال الإدارة الأمريكية لمشروع قرار أممي في مجلس الأمن يدعو لوقف إطلاق النار بقطاع غزة، يعد تواطؤا سافرا وشراكة كاملة في جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني".
واعتبرت أن ذلك يمثل "ضوءا أخضر لمواصلة جرائم القتل والتجويع، والهجوم الإجرامي المتوحش على مدينة غزة".
وثمنت حماس، موقف الدول العشر التي تقدمت بمشروع القرار لمجلس الأمن.
ودعت "كافة الدول والهيئات الدولية إلى مواصلة الضغط على حكومة مجرم الحرب نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) لوقف عدوانه، ومنع استمرار جريمة الإبادة الجماعية الموثقة أمميًا، وضمان محاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم أمام محكمة الجنايات الدولية".
وصوّت 14 عضوا من أعضاء مجلس الأمن لصالح القرار، فيما أسقطه الصوت الأمريكي الوحيد، بحسب مراسل الأناضول.
ومنذ أسابيع، يكثف الجيش الإسرائيلي تفجير الأبراج السكنية والعمارات في مدينة غزة، ضمن سياسة تهدف لإجبار الفلسطينيين على النزوح جنوبًا.
والأربعاء، تم رصد ظهور آليات إسرائيلية جديدة شمال غرب مدينة غزة بعد يوم من إعلان الجيش الإسرائيلي بدء عملية برية واسعة بالمدينة، ضمن عملية "عربات جدعون 2".
وكانت القوات الإسرائيلية خلال عملية "عربات جدعون 1" التي انطلقت من 16 مايو/ أيار حتى 6 أغسطس/ آب الماضيين، تتمركز داخل محافظة شمال قطاع غزة وفي الأطراف الشمالية لمدينة غزة، إضافة للأحياء الشرقية للمدينة (الشجاعية والتفاح والزيتون).