الأحد, 28 سبتمبر 2025 10:00 PM

تقرير يكشف: كيف يعرقل رجال أعمال مرتبطون بالنظام السوري تعافي القطاع المصرفي

تقرير يكشف: كيف يعرقل رجال أعمال مرتبطون بالنظام السوري تعافي القطاع المصرفي

سلّط تقرير لصحيفة "عنب بلدي" الضوء على تأثير وجود مساهمين معاقَبين دولياً في البنوك السورية على قدرة هذه البنوك في استعادة علاقاتها مع البنوك العالمية.

يشير التقرير إلى أن وجود مساهم معاقَب في أحد البنوك السورية يؤدي إلى تشديد إجراءات العناية الواجبة، وتأخير عمليات الانضمام، وزيادة التدقيق، ما يرفع تكاليف الامتثال، وغالباً ما يدفع ذلك المؤسسات المتحفظة بالنسبة للمخاطر إلى الانسحاب.

ونقلت الصحيفة عن دراسة أجراها مركز "كرم شعار للاستشارات" أن ثمانية أفراد (إما خاضعون للعقوبات مباشرة أو مرتبطون بأشخاص خاضعين للعقوبات) يملكون حصصاً في 15 بنكاً سورياً خاصاً حتى 20 آب الماضي.

ومن بين الأسماء الأكثر إشكالية من حيث الامتثال، أحمد خليل وناصر ديب ديب، وكلاهما خاضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي بسبب عملهما كواجهات اقتصادية للنظام السابق.

ونقلت "عنب بلدي" عن الباحث والمحلّل الأول في مركز "كرم شعار للاستشارات"، بنجامين فيف، أنه يمكن للبنوك الأوروبية قانونياً التعامل مع البنوك السورية إذا لم تكن "خاضعة للسيطرة الفعلية" لشخص مدرج على لوائح العقوبات. لكن المشكلة تكمن في أن عملية التأكد من أن البنك "لا يخضع لسيطرة مساهم معاقَب" مكلفة وتستغرق وقتاً، ولأن الحافز المالي لممارسة الأعمال في سوريا ليس كبيراً، وعائد الاستثمار منخفض، فلن تهتم الكثير من البنوك بالتعامل مع سوريا بهذه الظروف، وفق فيف.

تشير الصحيفة إلى توجيهات مجموعة العمل المالي (FATF)، التي توضح أنه يتعين على البنوك المراسلة التحقق من "المالكين المستفيدين" للمؤسسات التي تتعامل معها، وإنهاء العلاقات عندما لا يمكن التحكم بالمخاطر، ورغم أن هذا لا يحظر التعامل بشكل قاطع، فإن ارتفاع المخاطر يرفع تكاليف الامتثال ويقوض الجدوى التجارية.

وفق دراسة مركز "كرم شعار"، فإن من بين الأسماء المثيرة للجدل أيضاً، ناديا ياسين سلمان، المساهمة في سبعة بنوك سورية. فهي ليست خاضعة للعقوبات مباشرة، لكن منذ حزيران 2021، أظهرت مراجعة هياكل الملكية أن أسهم رامي مخلوف تختفي، وتظهر أسهم سلمان بمقادير مشابهة. كما يُعتقد أنها استحوذت على أسهم محمد حسن عباس، وكيل رامي مخلوف المعاقَب أمريكياً، في شركة "STC" المتخصصة بمشاريع النقل، وتبدو هذه التحركات محاولة لحماية أصول مخلوف أو نقلاً مدبراً من قبل النظام المصرفي إلى شخصية موثوقة.

تتعدى المسألة أسماء محددة، إذ تهيمن على سجلات المساهمين في البنوك الخاصة مجموعة من الأشخاص الخاضعين للعقوبات، أو الكيانات المرتبطة بهم، بالإضافة إلى آخرين مرتبطين بمخاطر محتملة بسبب الروابط العائلية أو التجارية مع من هم معاقبون.

تنقل "عنب بلدي"، مجدداً، عن الباحث والمحلّل الأول في مركز "كرم شعار للاستشارات"، بنجامين فيف، أن أول وأهم خطوة يجب على ممثلي القطاع المصرفي الخاص فعلها هي أن يخرجوا للعلن ويعترفوا بوجود المشكلة ويعملوا على حلها، ويصرحوا بأن هؤلاء المساهمين لم يعد لهم أي علاقة بالبنوك، وبالتالي، استبعادهم من أي عملية صنع قرار، ومن حقوقهم في التصويت بالجمعيات العامة. ويجب أن تكون البنوك شديدة الشفافية عند التعامل مع المؤسسات المالية الدولية، كالبنوك الأخرى، بخصوص هؤلاء الأفراد.

وفق خبراء اقتصاديين تحدثت إليهم "عنب بلدي"، فإن عملية استعادة المراسلات بين البنوك السورية الخاصة والبنوك الخارجية إشكالية ومعقدة، إلا أنه يمكن تفكيكيها عبر مجموعة من الخطوات والأدوات التي من شأنها أن تفتح الطريق نحو الخارج. الدكتور في الاقتصاد، والموظف السابق في مصرف حلب المركزي، عبد المنعم حلبي، قال لـ "عنب بلدي"، إنه لا يمكن الوقاية من أثر هؤلاء المساهمين إلا في حال تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، وفي حال ثبوت تورطهم بجرائم مالية أو متعلقة بجرائم ضد الإنسانية أدت إلى تحقيق ثرواتهم، لا بد من القيام بمصادرة أموالهم وفق الأصول المرعية، وتحويلها للمال العام بإدارتها مباشرة من قبل الحكومة، أو ببيعها في مزادات علنية لمصلحة الخزانة العامة.

أوضح الحلبي أنه يجب على السلطة الانتقالية ممثلة بالحكومة ومصرف سوريا المركزي احترام استقلالية السلطة القضائية في هذا الملف الحساس، والتعامل وفق مبدأ سيادة القانون لمنح السلطة القضائية صلاحيات كاملة في تقرير مصير الأملاك، والأموال المتعلقة بالمجموعات المتهمة بالتورط في دعم أو الاستفادة من مزايا أو شراكات غير قانونية مع أركان النظام السابق. ويمكن للحكومة تحريك الدعوى العامة بحق هؤلاء، وكذلك السماح لمؤسسات المجتمع المدني وللمواطنين بذلك، وفق القوانين المرعية، والقوانين التي يتوقع صدورها في إطار متطلبات العدالة الانتقالية.

بحسب الباحث بنجامين فيف، فإن ما ينبغي القيام به فعلياً، هو أن يقوم الرئيس، أو حتى البنك المركزي، بإصدار قرارات يعلَن فيها النظر بهذا الأمر، وأنه يتم تجميد هذه الأصول، ويجب أن يكون ذلك بشكل علني. وعلى البنك المركزي في سوريا أن يتدخل للنظر في أمر مجالس الإدارة الحالية وهيكل المساهمين في هذه البنوك، وأن يتقدم بحلها إذا حدد مجالس إدارة متأثرة بالعقوبات، بحسب فيف.

من النقاط الأساسية التي تحتاج إليها البنوك السورية، بحسب الخبراء، تفعيل التواصل مع البنوك الخارجية، إلا أن هذه البنوك، بحسب الباحث والمحلل فيف، خصوصاً الأوروبية، لا ترسل أي رد على رسائل البنوك السورية، لأنها غير مهتمة بالسوق السورية، بسبب شدة تعقيدها.

بحسب فيف، فإن البنوك الدولية هي التي ينبغي أن تقوم بالخطوة الأولى، وأن تقدم الدول الأوروبية ممثلة بحكوماتها ضمانات للمؤسسات المالية الأوروبية، وتخبرها أنه يمكنها إعادة العلاقات مع سوريا، وأنه لا توجد عقوبات بعد الآن، ولن تخالف أي قوانين. وهذا بدوره سيسمح بعودة الاستثمارات إلى الظهور، لأن أحد أكبر العوائق أمام الاستثمارات في سوريا، هو غياب علاقات المراسلة المصرفية بين البنوك المحلية والبنوك الدولية.

بالمقابل، على البنوك السورية، بحسب الدكتور في الاقتصاد عبد الحكيم المصري، الالتزام بقرارات "بازل" للرقابة المصرفية بنشر تقارير الشفافية، وتقديم تقارير واضحة لنظام "سويفت" والإفصاح عن نسب المساهمين والمالكين. ويمكن للبنوك، لتعزيز شفافيتها، طلب مدققين من "بازل" و"سويفت" لتدقيق عملياتها وقوائمها المالية للتأكد من مشروعية عملها، وبالتالي تكون الرقابة فعالة بمساعدة منظمات دولية، بحسب المصري.

مشاركة المقال: