دمشق-سانا: تعود جذور مؤسسة مياه دمشق وريفها إلى عام 1924، حيث تأسست "لجنة مياه دمشق" بدافع وطني رفضًا لمحاولات استغلال مصادر المياه السورية. ومن هذه اللجنة انبثقت "لجنة ملاكي مياه الفيجة" التي تولت تنفيذ مشاريع جر المياه إلى العاصمة بتمويل محلي، كما أوضحت المهندسة الاستشارية في مؤسسة مياه دمشق وريفها، أماني موالدي.
أقدم المشاريع المائية: من أبرز المشاريع المائية التي نفذت منذ عام 1924 بتمويل أهلي:
- نفق جر مياه الفيجة ومراكز توزيع المياه مثل "مركز الوالي".
- شبكات نقل المياه إلى الأحياء السكنية والجوامع والمنشآت العامة.
ومع تزايد حجم المشاريع، ظهرت الحاجة إلى إنشاء مبنى إداري خاص بالمؤسسة، فتم تكليف المهندس عبد الرزاق الملص بتصميمه، بينما نفذ الفنان الدمشقي محمد علي الخياط الأعمال الزخرفية والفنية للمبنى.
تاريخ مبنى مؤسسة مياه دمشق وريفها: بدأ تنفيذ المبنى الإداري عام 1937 واكتمل عام 1942، ولا يزال معتمدًا حتى اليوم، ويخضع لإشراف مديرية الآثار والمتاحف. صُمم المبنى على الطراز العربي الدمشقي، ويضم أبوابًا تقليدية مستوحاة من بيوت دمشقية، ونقوشًا بالخط الكوفي والثلث، تتضمن آيات قرآنية، ويحتوي على كتب عن دمشق وسوريا، بالإضافة إلى لوحة رخامية بأسماء أعضاء لجنة مياه دمشق عام 1924.
مؤسسة مستقلة لمياه ريف دمشق: تأسست مؤسسة مياه ريف دمشق بشكل مستقل عام 1985، بعد أن كانت خدمات المياه في الريف تُقدم عبر البلديات. وفي عام 2009 تم دمج المؤسستين تحت اسم "مؤسسة مياه دمشق وريفها" لتوحيد إدارة الموارد المائية، وتحسين جودة الخدمات، وضمان تغذية متساوية للمدن والبلدات.
قصة سبل الماء في دمشق: أوضح المهندس المتقاعد خالد الشلق، من أبناء العائلات الدمشقية العريقة التي ساهمت في مشروع جر مياه نبع الفيجة، أن دمشق شهدت تطورًا ملحوظًا في شبكات المياه بكل حقبة زمنية، وأن عائلته حافظت على ارتباطها الوثيق بالخدمة المجتمعية، من خلال مبادراتها الخيرية ودعمها المستمر للمشاريع الحيوية التي أسهمت في تطوير البنية التحتية لدمشق.
وبيّن الشلق أن البدايات كانت مع "السبل" والأواني التي كانت تستمد المياه من نهري بردى والفيجة، ثم تدرج الأمر إلى استخدام الآبار السطحية، التي أدّت لاحقاً إلى انتشار الأمراض المعدية، وعلى رأسها وباء الكوليرا (الهيضة). ولمواجهة هذه المشكلة، قرر والي دمشق في حينها، ناظم باشا، تنفيذ مشروع مائي لإمداد المدينة بالمياه النقية، تمثّل بإنشاء 400 سبيل موزعة في أنحاء دمشق، بطول 18 كيلومتراً، باستخدام أنابيب فونت ألمانية بقطر 10 إنش، لجر المياه من نبع الفيجة إلى العاصمة، بمعدل ساعتين صباحاً وساعتين مساءً. ومع تزايد عدد السكان عام 1924، أصبح من الضروري تطوير منظومة المياه، ما دفع العائلات الدمشقية إلى جمع نحو 270 ألف ليرة ذهبية عثمانية آنذاك، لتغطية تكاليف تنفيذ مشروع جديد لجرّ مياه الفيجة، وأُقر المشروع رسمياً، ووضع بالخدمة في 3 آب 1932.
مبنى مؤسسة المياه تحفة فنية: بيّن الشلق أنه في عام 1940 تم تأسيس مبنى مؤسسة المياه في شارع النصر، والذي يُعد تحفة فنية معمارية تعكس التراث السوري الأصيل، ويضم عناصر متميزة كالإسمنت المسلح، وزخارف خشبية من الجوز، والرخام المشقف، والقاشاني (سيراميك مزخرف)، إلى جانب الخط العربي والأرضيات الخشبية، ولا يزال المبنى قائماً حتى اليوم، يجمع بين القيمة الفنية والوظيفة الخدمية التي يقدمها للمواطنين.
جر المياه من نبع الفيجة إلى دمشق: مرّت عملية جر المياه من نبع الفيجة إلى دمشق عبر عدة مراحل وفق كل حقبة زمنية، وهي وفق بيانات مؤسسة المياه، كانت وفق التالي:
- المرحلة الأولى: الجر اليدوي (1923–1932) بدأ جر المياه يدوياً، بدعم من المجتمع المحلي والتجار، وتمرير المياه عبر نفق بعرض 120 سم وارتفاع 160 سم، بغزارة 3 م³/ثا، وكان تنفيذ المشروع خلال الفترة من 1923 حتى 1932، حيث وُزعت المياه عبر "السبلان" في الأحياء، ثم إلى المنازل عبر العدادات، وذلك بحسب رئيس دائرة صيانة الشبكات في المؤسسة معروف نفيسة.
- المرحلة الثانية: تنفيذ النفق (1976) بسبب تزايد الطلب على المياه، أُحدث نفق جديد عام 1976 بالتعاون مع شركة فرنسية، بطول 16.6 كيلومتراً من نبع الفيجة إلى دمشق اُستخدمت فيه حفارتان من جهتي دمشق والمهاجرين، وبلغ قطر الحفارة 2.5 متر، وتم صبّ النفق بقالب بيتوني منزلق لضمان تدفق مستمر، ومازال النفق موجوداً إلى يومنا هذا.
إن تاريخ مؤسسة مياه دمشق وريفها هو تاريخ وطني اجتمعت فيه إرادة المجتمع الأهلي مع الخبرة الهندسية والتطوير التقني، حيث حافظ الدمشقيون على نبع الفيجة كشريان حياة لمدينتهم، وجعلوا من مؤسسة المياه رمزاً للتعاون والخدمة العامة، لتبقى المؤسسة عنواناً لعراقة دمشق وتشبثها بمقومات الحياة والاستمرارية.