الإثنين, 6 أكتوبر 2025 01:07 PM

بعد الإطاحة بالأسد: كيف حافظت موسكو على نفوذها في سوريا؟

بعد الإطاحة بالأسد: كيف حافظت موسكو على نفوذها في سوريا؟

على الرغم من التوقعات بانتهاء النفوذ الروسي في سوريا بعد الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر 2024 على يد فصائل مسلحة تقودها “هيئة تحرير الشام”، وتولي أحمد الشرع قيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك.

فقد أشارت تقارير غربية، أبرزها من الإيكونوميست، إلى أن الوجود العسكري الروسي بات “هشًا ومهددًا”. ورغم قلق موسكو لخسارة حليفها الأبرز في الشرق الأوسط، لم تنسحب روسيا، بل عززت مواقعها، خاصة في قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية، وحافظت على نفوذها في شمال شرق سوريا.

سارعت الدبلوماسية الروسية إلى إعادة بناء علاقاتها مع القيادة الجديدة في دمشق. وبالنظر إلى أن جزءًا كبيرًا من السوريين لا يرون في روسيا قوة طائفية – كما هو الحال مع إيران – بل قوة دولية ذات تاريخ في المنطقة، فقد رحّب الشرع بالتعاون مع موسكو.

تبنّت القيادة الجديدة في سوريا سياسة براغماتية تجاه روسيا، سعيًا للحصول على مساعدات اقتصادية مثل الحبوب والطاقة، ودعم سياسي في المحافل الدولية، وربما أسلحة مستقبلية. وتفيد فورين أفيرز بأن حكومة الشرع تستخدم علاقتها مع روسيا كوسيلة ضغط على الموالين للنظام السابق وكإشارة للغرب بأن سوريا لديها بدائل في حال لم تُقدَّم لها المساعدة.

لا تُعد روسيا مجرد ضيف غير مرغوب به في سوريا الجديدة. في الواقع، هناك أطراف إقليمية ودولية ترغب ببقاء وجودها، لكن لأسباب متباينة: إسرائيل ترى في موسكو قوة قادرة على لجم النفوذ الإيراني، وتفضّل وجودها العسكري على بدائل قد تعتبرها أكثر تهديدًا. تركيا تأمل أن تساعدها روسيا في مواجهة الأكراد، وأن تبقى شريكًا في رسم خرائط التأثير داخل سوريا. قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تسعى لإبقاء روسيا في الصورة تحسّبًا لانسحاب أمريكي محتمل أو ضغط من دمشق لإنهاء تطلعاتها للحكم الذاتي.

ورغم تشكيك الدول الأوروبية بوجود روسيا، فإن فورين أفيرز تشير إلى أنها ليست في موقع يسمح لها بالهيمنة على مستقبل سوريا، خصوصًا مع انشغالها بالحرب في أوكرانيا واستنزاف مواردها العسكرية والمالية.

بعد سقوط الأسد، لم تقطع روسيا علاقاتها مع دمشق، بل سارعت إلى تأمين أصولها العسكرية، ونقلت معدات من طرطوس، وعززت وجودها في حميميم. كما قدّمت مساعدات غذائية ووقودًا، وألمحت إلى استعدادها لمواصلة دعم سوريا سياسيًا واقتصاديًا.

ورغم الضغوط الغربية، لم تغادر موسكو، بل سعت لإبقاء قواعدها كمراكز لوجستية لعملياتها الإقليمية، خصوصًا في أفريقيا. وبحسب وزير الدفاع السوري الجديد، فإن بقاء القوات الروسية مرحّب به “طالما يخدم مصلحة سوريا”، مشددًا على أنه “لا أعداء دائمين في السياسة”.

في ربيع 2025، واجهت سوريا الجديدة تحديات خطيرة: هجمات طائفية على الساحل، اشتباكات قبلية جنوبًا، وتصعيد إسرائيلي متواصل داخل الأراضي السورية. في هذا السياق، يُعتبر التعاون مع روسيا رسالة موجهة للغرب بأن دمشق لا تعتمد فقط على محور واشنطن – بروكسل.

تدرك كل من إسرائيل وتركيا و”قسد” أن استمرار الوجود الروسي قد يساعد في ضبط التوازن داخل سوريا. فإسرائيل، على سبيل المثال، تفضّل سوريا ضعيفة لا مركزية، يسهل التفاهم مع سلطاتها المتعددة. أما تركيا فترغب في دعم روسي لموقفها من الأكراد، بينما تعتمد “قسد” على موسكو كورقة احتياط في حال تخلت عنها واشنطن.

بحسب فورين أفيرز، من غير المتوقع أن تعود روسيا إلى موقعها المهيمن السابق في سوريا. لكنها رغم ذلك، ستظل حاضرة كلاعب من بين عدة لاعبين، خصوصًا إذا استمرت في لعب دور الوسيط والمزود العسكري المحدود.

وفي ظل غياب الموارد اللازمة لإعادة الإعمار، لن تكون موسكو شريكًا اقتصاديًا موثوقًا. دول الخليج وتركيا وأوروبا والولايات المتحدة هي التي ستحدد مسار التعافي الاقتصادي السوري، وليس الكرملين.

ترى المجلة الأمريكية أنه من الخطأ مطالبة القيادة السورية الجديدة بقطع علاقاتها مع روسيا، خاصة وأن هذه العلاقات قد تكون “نافعة” في بعض الحالات. بدلاً من ذلك، تنصح واشنطن وحلفاءها بتبني نهج طويل المدى، يركّز على دعم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وتوفير بدائل حقيقية لدمشق.

فالطريقة الأفضل لضمان ألا تصبح سوريا منصة للنفوذ الروسي في المستقبل، هي ببساطة: بناء علاقة قوية معها اليوم.

مشاركة المقال: