السبت, 11 أكتوبر 2025 01:16 AM

قيامة جميلة لأديب حسن: ملحمة حب أسطورية تتحدى الواقع

قيامة جميلة لأديب حسن: ملحمة حب أسطورية تتحدى الواقع

"قيامة جميلة" هي الرواية الثانية للدكتور السوري الشاعر والروائي أديب حسن، بعد روايته الأولى "الخزّاف الطائش". بعد أن حصد أهم الجوائز العربية في مشروعه الشعري، ينجح هنا في تقديم رواية متميزة، حيث يكتب أديب حسن وفق رؤيته الخاصة، غير مكترث بآراء النقاد، وهو سر تميزه. تتناول الرواية، التي تحمل عنوان "قيامة جميلة" وعنوانًا فرعيًا "الجبال في حلم التقائها بين قسنطينة والجوديّ"، قصة حب فريدة من نوعها. يلتقي الشاب السوري (جان) والشابة الجزائرية (جميلة) في شركة في بلد لم يذكر اسمه. نجَا كلاهما من ويلات الحروب في بلديهما، ويواجهان صعوبات في التأقلم مع بيئة غريبة خارج حدود الوطن.

يستخدم أديب حسن لغة شعرية خاصة في سرده، دون أن يسمح للغة بأن تطغى على متن الرواية أو أبطالها.

سحر الأسطورة

منذ البداية، يضعنا الكاتب أمام الأسطورة التي تشكل جوهر الرواية، مستخدمًا سحرها وإسقاطاتها. نجد جبل الجودي وجزيرة بوطان، بالإضافة إلى أسطورة الحب الخالدة (مم وزين). يقول السارد: "مولاي يا سيدي مسيّد ..جميلة لم تكن خاطراً يراودني وأنا أعزف على مزماري أغنية بائع السلال الفقير الذي كان يسعى على رزقه بين أزقة جزيرة بوطان ..لم تكن الأميرة تشغل ولو حيزاً صغيراً ينافس حيز الرغيف.. لم تكن جميلة في مدى سفوح الجودي إلى اللحظة التي استيقظ فيها من تلك الرؤيا لا مذعوراً، بل ملهوفاً ومدفوعاً بكل ذرة في روحه نحو تلك المغامرة" (ص10).

وعن الأسطورة في الرواية، يقول صاحب "الخزاف الطائش": "لقد كانت الأسطورة في الرواية مرادفة للأمل، ولفكرة الإصرار والسعي خلف الحلم مهما بدا غير ممكن وبعيد المنال، وفي روايتي كان الحب هو من بدأ الأسطورة وجعل الترادف ممكناً بين رحلة الرجل العارف سيدي مسيد من الصحراء الأفريقية إلى جبال قسنطينة المتداخلة والمتواقتة مع رحلة جان إلى لقاء جميلة".

جان شاب ليس بطلاً تقليدياً، بل بطل تراجيدي. حبه لجميلة يتجاوز العاطفة ليصبح هوساً وجودياً. هو شخصية "ملعونة" بمصير أسطوري، تحاول مقاومة قدرها ولكنها تسقط فيه. هذا يجعله شخصية عميقة ومؤثرة، تجسد فكرة أن الحب القوي يمكن أن يكون مصدر ألم عظيم وجنون، وليس سعادة فقط. "هل سيكون المجنون الأول الذي ستسجل المدينة باسمه، وهو يقضي نهاراته كلها باحثاً عن جميلة صاحبة اليد الدامية"؟ (ص114).

جميلة تبقى شخصية غامضة، أشبه بفكرة أو رمز أكثر منها إنسانة من لحم ودم. هذا متعمد، فهي تمثل "الموضوع المتعذر" الذي يطارده البطل، وهي التجسيد للجمال المطلق الذي لا يمكن امتلاكه أو الاحتفاظ به. وجودها الطيفي هو محرك المأساة بأكملها. "جميلة العرافة المرسلة من الغيب لتمتحن الإنسان المحبوس داخله، لتطلق المسرّات الصغيرة من أقفاصها.. ومستودع القيامات .. آه يا سيدي مسيّد" (ص 115).

تتميز الرواية بتوظيف تقطيع الفصول إلى عنوانات فانتازية وجمالية متعمدة، مثل: "شرفة على البحر"، "اليوم الأول"، "متاهة العطر"، "سوناتا الجسد" (ص70)، "نافذة على الجحيم"، "مجنون جميلة" (ص112). هذا التقطيع يضيف بعداً جمالياً إلى الرواية. نجح الروائي في التكثيف بالسرد، والاختزال في بنية الحوار، ومحاولة الإفلات من غواية السرد لمنع روايته من الترهل عبر انزياحات لغوية. "حيث تنتهي متاهة الأبواب إلى جنون اللحظة" (ص 60).

بين الحب العذري والوجودية

رواية "قيامة جميلة" هي عمل روائي يمزج بين الواقع والأسطورة، بين الحب العذري والوجودية، بين التفاصيل اليومية لمدن دمرتها الحروب، وعوالم الأساطير الشرقية. إنها ليست مجرد قصة حب تقليدية، بل تأمل عميق في معنى الحب، المعاناة، والخلاص عبر قالب أسطوري مأساوي عذب. تتجلى اللمحة الذكية لأديب حسن في نقل هذه المأساة الكونية وتجسيدها بقصة حب شرقية، من أعالي الأحلام إلى أرصفة الحياة. الأمكنة ليست مجرد ديكور، بل هي شاهد على الحكاية، تحمل في طياتها تاريخاً من الحكايات والأساطير الخاصة بها، وتنصهر مع الأسطورة الشرقية، جبل الجودي وجزيرة بوطان، وأسطورة الحب الخالد مم وزين ومعالم قسنطينة.

استعارة القيامة

لربما هي القيامة أو النزول إلى العالم السفلي، الذي هو استعارة للبحث عنها في متاهات الذاكرة، الحلم، الجنون، وربما الموت نفسه. وربما البحث عن المعنى في الرحلة إلى العالم السفلي التي قد تكون استعارة للبحث داخل الذات، عن ذكريات مفقودة، وعن معنى للوجود في عالم قاسٍ. أو البحث عن الحب المطلق والفقدان عبر استكشاف لفكرة أنّ الحب الحقيقي قد يكون مرتبطاً بالألم والفقدان بشكل لا ينفصم. "المجهول هو الجانب الطاغي من رحلة الإنسان القصيرة، ما لا نعرفه أكثر مما يتبجح العلماء والعارفون بالإحاطة به.." – "الموت يا جميلة هو أن تعيشا أنت وجان في مدينة واحدة من دون أن يعرف إليك سبيلًا، ومن دون أن يعرف شيئاً من كمشة الأسرار التي اخذتها معك إلى عزلتك العجولة، وغيبتك الطويلة" (ص 141). "جاء النداء الذي زلزل المنام: كي تصل وتشهد قيامة (جميلة) لابد أن تتحول إلى نسر..".

رواية قيامة جميلة . د. أديب حسن. الطبعة الأولى – دار موزاييك – 2024 -175صفحة قطع متوسط. اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: