تواجه منطقة تلكلخ في ريف حمص الغربي تحديات معقدة أمنياً ومعيشياً وخدمياً، تتداخل فيها الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وقد شهدت المدينة اجتماعاً موسعاً بين فعاليات مدنية وجهات خدمية لبحث أوضاع المنطقة ووضع تصور عملي لتحسينها، وذلك بعد شكاوى متكررة من الأهالي حول تدهور الخدمات وتراجع الأمن وغياب التنمية.
أزمات أمنية ومطالب بالمحاسبة: كشف المشاركون في الاجتماع عن شعور عام بفقدان الأمن، مع تزايد حوادث السلب والسرقة وغياب الردع. وطالبوا بمحاسبة المخطئين دون محاباة، والتعامل بجدية مع انتشار السلاح بين الشباب والتباهي بحمله دون ترخيص، واستمرار ظاهرة اللثام رغم القرارات الرسمية التي تمنعها. وأفاد الأهالي لمنصة سوريا 24 عن تبدلات متكررة في عناصر الشرطة والأمن، ما انعكس فوضى وقلقاً بين السكان، وتفاقم مشكلات الحدود وعمليات التهريب.
معاناة معيشية وهجرة متزايدة: يعاني سكان تلكلخ من تدهور حاد في الوضع الاقتصادي، ما دفع الكثير من الشباب إلى الهجرة نحو لبنان بحثاً عن فرص عمل. ويشكو المزارعون من ضعف الدعم الحكومي للقطاع الزراعي. وقالت ابتسام العمر، الناشطة في المجال الخدمي، لمنصة سوريا 24، إن أبرز التحديات تتمثل في البطالة وغياب الإمكانات المادية للبدء بمشاريع صغيرة، مشيرة إلى أن هناك فئة كبيرة من غير المتعلمين تجاوزت سن الثامنة عشرة، ما يزيد من صعوبة إدماجهم في سوق العمل. وأضافت أن الأمان لا يزال هشاً بسبب انتشار السلاح وعدم وجود حواجز أمنية مستقرة، وعدم الالتزام بالقوانين بحجة أنها وُضعت في عهد النظام السابق.
تحريض طائفي عبر وسائل التواصل: لفتت العمر إلى أن المشكلة الأكبر التي تهدد النسيج الاجتماعي هي التحريض والخطاب الطائفي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشددة على أهمية تعزيز التعايش السلمي من خلال جهود مشتركة بين المدارس والمساجد والكنائس والجمعيات، وتنظيم ورش عمل تجمع مختلف مكونات المنطقة.
خدمات متدهورة في القطاعات الأساسية: في تقييمها للواقع الخدمي، قالت العمر إن مياه الشرب في وضع متوسط، والمنطقة بحاجة إلى فتح آبار جديدة وصيانة المعطلة منها، وتزويدها بالطاقة الشمسية. أما الصرف الصحي، فوصفت وضعه بـ"السيئ جداً"، خصوصاً في المناطق الحدودية. وأضافت أن الكهرباء تخضع لتقنين قاسٍ، بينما يعاني مشفى تلكلخ الحكومي من نقص حاد في الكادر الطبي، ويحتاج إلى دعم عاجل وتأهيل المستوصفات. وفي القطاع التربوي، أشارت إلى نقص التجهيزات المدرسية وضعف البنى التحتية في قرى مثل الزارة وتلكلخ، ما يستدعي ترميم المدارس ورفدها بالكوادر المناسبة. ودعت إلى حصر السلاح بيد الدولة، وإنشاء حواجز أمنية ثابتة، ومنع ظاهرة اللثام والدراجات النارية غير المرخصة، وتنظيم ندوات حول العدالة الانتقالية.
الترسيم الحدودي أولوية: قال ممدوح عماد الدندشي، الباحث في العلاقات الدولية، لمنصة سوريا 24، إن تلكلخ تشكل مركزاً حيوياً يضم ثلاث نواحٍ وأربعين قرية على الشريط الحدودي السوري اللبناني، وتُعرف بتنوعها الديني والعرقي. وأوضح أن المنطقة زراعية بامتياز، لكن غياب ترسيم واضح للحدود بين سورية ولبنان خلق مشاكل اجتماعية واقتصادية متراكمة. وأشار إلى أن تنظيم التهريب يمكن أن يتم عبر مفارز جمركية ثابتة ودوريات متنقلة، داعياً إلى وضع آلية رسمية لترسيم الحدود وتفعيل التعاون بين البلدين.
دعوات لتفعيل المؤسسات الحكومية والبلدية: قال الدندشي إن المؤسسات الحكومية في المنطقة ما زالت في طور التأسيس، ما يتطلب وقتاً لإقرار ميزانيات وتنفيذ مشاريع، داعياً إلى إرسال لجان من وزارة الزراعة لدعم المزارعين ووضع خطط طارئة لمواجهة الصعوبات. وطالب بأن يكون عناصر الأمن والجيش على درجة عالية من الانضباط، واحترام خصوصية التعدد الديني والعرقي، كما دعا إلى تفعيل الشرطة السياحية.
تكشف تلكلخ اليوم عن صورة مصغرة لواقع كثير من المدن السورية التي تواجه تحديات مركبة، في ظل حاجة ملحة إلى تثبيت الاستقرار، وتنمية القطاعات الخدمية، وإعادة بناء الثقة بين السكان ومؤسسات الدولة. ويرى أبناء المنطقة أن التعايش والوعي المجتمعي هما المفتاح الأساس لعبور تلكلخ نحو مرحلة جديدة.