الأربعاء, 15 أكتوبر 2025 05:55 PM

الرئيس الشرع في موسكو: حقبة جديدة في العلاقات السورية الروسية

الرئيس الشرع في موسكو: حقبة جديدة في العلاقات السورية الروسية

وصل الرئيس السوري أحمد الشرع، اليوم الأربعاء، إلى موسكو تلبية لدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في زيارة رسمية تهدف إلى بحث مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين.

عقد الشرع وبوتين اجتماعاً مقتضباً أمام الصحفيين، حيث صرح الشرع قائلاً: "نسعى إلى بناء علاقات سورية روسية تقوم على احترام السيادة المتبادل، ونهدف إلى تقديم صورة جديدة لسوريا للعالم". وأشار إلى عمق العلاقات التاريخية التي تربط البلدين، مؤكداً احترام سوريا للاتفاقيات السابقة مع روسيا، والعمل على إعادة تعريف طبيعة هذه العلاقات.

من جانبه، أكد بوتين على متانة العلاقات الروسية السورية التي تمتد لأكثر من 80 عاماً، مشيراً إلى حرص روسيا على تطوير العلاقات مع دمشق. وأضاف أن التعاون بين البلدين سيؤثر إيجاباً على كلا الطرفين، واعتبر الانتخابات البرلمانية في سوريا خطوة ناجحة تعزز الروابط بين القوى السياسية.

كما لفت بوتين إلى أن مصالح الشعب السوري هي الدافع الأساسي لروسيا، معرباً عن استعداد بلاده للتواصل المستمر عبر وزارتي الخارجية في البلدين.

وكانت وكالات الأنباء قد نقلت عن مصادر سورية أن الرئيس الشرع سيطلب خلال الزيارة تسليم بشار الأسد لمحاكمته، في خطوة تعكس تحولاً في السياسة السورية تجاه العدالة الانتقالية. وأوضحت المصادر أن المباحثات ستتناول أيضاً مستقبل الوجود العسكري الروسي في سوريا، واستمرار عمل القواعد الروسية في طرطوس وحميميم، بالإضافة إلى ضمانات بعدم تسليح فلول النظام السابق، ودعم موسكو لجهود إعادة بناء الجيش السوري.

أهمية الزيارة ومستقبل العلاقات

أكد الدكتور محمود الحمزة، الخبير في الشأن الروسي، أن زيارة الرئيس الشرع إلى موسكو "مهمة جداً وتاريخية، وتفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين". وأضاف أن هذه العلاقات ستُبنى على أسس جديدة من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وتهدف الزيارة، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إلى بحث العلاقات الثنائية والمستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. ويرافق الرئيس الشرع وزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة.

من جهتها، أوضحت وزارة الخارجية الروسية أن المباحثات ستتناول مستقبل الوجود الروسي في سوريا، وإعادة هيكلة المنشآت العسكرية في طرطوس وحميميم. وأكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن مسألة القواعد الروسية ستُطرح خلال اللقاء بين الرئيسين.

زيارة تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين

أوضح الحمزة أن روسيا كانت متحالفة مع نظام بشار الأسد، وأن سقوط الأسد فرض على موسكو إعادة النظر في تعاملها مع الملف السوري. وأضاف أن الطرفين ينطلقان الآن من قناعة مشتركة بأنه لا خيار سوى بناء علاقات قائمة على استقلالية القرار الوطني وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وأشار الحمزة إلى أن الملف الاقتصادي سيكون في صدارة المحادثات، وأن الطرفين اتفقا خلال زيارة وزير الخارجية السوري إلى موسكو في نهاية تموز على مراجعة الاتفاقيات السابقة وتشكيل لجنتين حكوميتين للتعاون الاقتصادي والأمني والعسكري.

وأكد الحمزة أن الزيارة تأتي لتحديد مجالات الشراكة المستقبلية، وأن من بين الأفكار المطروحة تحويل القواعد الروسية في سوريا إلى مراكز دعم إنساني تُستخدم لاستقبال شحنات مواد لإعادة الإعمار.

وشدد الحمزة على أن سوريا تسعى إلى فتح علاقات متوازنة مع القوى المؤثرة في المشهد الدولي، وأن روسيا تمتلك إمكانات كبيرة يمكنها أن تسهم في دعم سوريا في مجالات متعددة.

وفي الجانب السياسي، أكد الحمزة أن العلاقة بين البلدين لا يمكن أن تتجاهل الدور الروسي خلال الثورة السورية، وأن هذا الملف لم يُحسم بعد، لكن الطرفين يركّزان حالياً على الملفات القابلة للحل وتجنب القضايا الخلافية المعقدة.

كما أوضح أن الشعب السوري لن يتنازل عن حقه في العدالة، وسيبقى يطالب بمحاكمة بشار الأسد وتسليمه للعدالة، وأن روسيا لم تعد ترى في الأسد أي قيمة سياسية أو استراتيجية.

وختم الحمزة حديثه بالتأكيد على أن العلاقات مع روسيا أصبحت ضرورية لسوريا من أجل خلق توازن دولي، خصوصاً في ظل السياسات الغربية المنحازة لإسرائيل.

دمشق تعيد ضبط علاقاتها مع موسكو

من جانبه، اعتبر الخبير العسكري عصمت العبسي أن زيارة الرئيس الشرع إلى موسكو تمثل منعطفاً محورياً في السياسة السورية، وتأتي في لحظة إقليمية ودولية شديدة الحساسية.

وقال العبسي إن توقيت الزيارة يعكس رغبة دمشق في إعادة ضبط علاقاتها الاستراتيجية مع موسكو، واستباق أي فراغ سياسي أو أمني قد تحاول أطراف إقليمية استغلاله.

وأشار إلى أن اللقاء سيحمل ملفات عسكرية وسياسية معقدة، أبرزها إعادة تسليح الجيش السوري وتطوير قدراته الدفاعية، ومراجعة الترتيبات المتعلقة بالقواعد الروسية في طرطوس وحميميم، إلى جانب تنسيق أمني مشترك لمكافحة الإرهاب والتهريب عبر الحدود.

وأوضح العبسي أن روسيا لا تزال الشريك العسكري الأبرز لسوريا، لكن المرحلة الجديدة تقوم على تنويع التحالفات لتشمل أطرافاً دولية وإقليمية مثل الصين وتركيا ودول عربية مؤثرة.

وفي الشق السياسي، كشف العبسي أن أجندة اللقاء ستتضمن أيضاً ملف العدالة الانتقالية ومحاسبة رموز النظام السابق، وأن الشرع سيطرح أمام القيادة الروسية رؤية جديدة لبناء دولة القانون والمؤسسات.

وختم العبسي تصريحه بالقول: "زيارة موسكو ليست بروتوكولية، بل استراتيجية، وتشكل مقدمة لإعادة تموضع سوري متوازن، يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الشراكات تقوم على المصالح المتبادلة لا التبعية".

شراكة جديدة على أسس الاحترام والمصالح

تؤكد تصريحات الدكتور محمود الحمزة والخبير عصمت العبسي أن الزيارة الحالية للرئيس أحمد الشرع إلى موسكو تتجاوز البعد البروتوكولي، وتشكل إعلاناً عملياً عن مرحلة جديدة من العلاقات السورية الروسية، قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

وبينما تسعى موسكو لإعادة صياغة وجودها في الشرق الأوسط بما يتناسب مع التغيرات الدولية، تبدو دمشق ماضية في طريق إعادة بناء علاقاتها الخارجية، بعيداً عن الإرث الثقيل للنظام السابق، نحو سياسة أكثر انفتاحاً وواقعية، ترسم ملامح سوريا الجديدة.

مشاركة المقال: