الجمعة, 17 أكتوبر 2025 08:16 PM

من ثقافة الفرد إلى دولة المؤسسات: نقد لأسلوب إدارة المؤسسات في سوريا

من ثقافة الفرد إلى دولة المؤسسات: نقد لأسلوب إدارة المؤسسات في سوريا

في ردّ فعل على طلب أحد المواطنين بتأمين خدمات البريد في منبج، ذكرت المؤسسة العامة للبريد أن «المدير يبذل جهودًا مستمرة لافتتاح مكاتب في مختلف المناطق». قد يبدو هذا الردّ بادئ الأمر تفاعلاً إيجابيًا مع تعليقٍ عام، لكن المشكلة تكمن في اللغة التي تنسب الفعل إلى الفرد بدلاً من المؤسسة، مما يعيد إنتاج ثقافة «المدير البطل».

سناك سوري – بلال سليطين

يرى الكثيرون في هذا الردّ اهتمامًا ومتابعةً واستجابةً لتعليقات المواطنين واحتياجاتهم، إلا أن الجانب الأهم يغيب هنا. ما حدث هو اختزال المؤسسة للأمر بالفرد، أي المدير الذي يديرها، واستمرار في ترسيخ ثقافة «الفرد البطل» الذي يدير المؤسسة، بدلاً من أن تكون المؤسسة الحكومية هي المعنية بخدمة الشعب. المدير هو موظّفٌ يأتي ويرحل، ومن مسؤوليّاته إدارة هذه المؤسسة للقيام بواجباتها تجاه المواطنين المستحقّين لخدماتها. هو ليس المؤسسة، والمؤسسة ليست له، وهذه ثقافةٌ موروثةٌ وتراكميّة يجب التخلّص منها.

إن إسناد الأفعال إلى المدير يحوّل الخدمة العامة إلى منّة شخصية ويضعف الاستمرارية والمساءلة. فمن يبذل الجهود هنا ليس شخص المدير، بل مؤسسة البريد بكل عمّالها وموظّفيها، بما تمثّله من مؤسسة دولة مُناطٌ بها واجباتٌ عليها القيام بها.

ردّ المؤسسة من حيث الشكل جميل ويتضمن اهتمامًا بالتعليق، لكنه يعكس اهتمامَ المدير لا اهتمامَ المديرية. ماذا لو تغيّر المدير؟ هل ستتوقّف الجهود أم ستستمر؟ بالطبع يجب أن تستمر، فهذه خطّة المؤسسة التي يجب أن ينفّذها أيّ مدير، وليست خطّة المدير. «المدير البطل» ظاهرةٌ خطيرة في بناء سوريا الجديدة، فهي ما تزال قائمة ولم يُستَغنَ عنها، ونلحظها في مناسبات كثيرة. إذْ تذكر صفحات المؤسسات والأخبار صيغًا تشير إلى المدير لا المؤسسة، كأن يُقال: «بجهود المدير العام»، «بمتابعة المدير العام»… إلخ، وكلها صيغٌ يجب تغييرها لتعبر عن المؤسسة لا عن الفرد، بحيث يُقال: «تابعت مديرية البريد كذا»، «بجهود مديرية البريد وصلت الخدمات إلى كذا». ومن يمكن ذكره إلى جانب المؤسسة فهم العمّال أو الكوادر لا المديرون، كأن يُقال: «بجهود مديرية البريد وكوادرها/عمّالها، اُفتتح مركزٌ للبريد في منبج».

طبعًا، هذه الثقافة منتشرة على مستوياتٍ عدّة، وليس على مستوى أدمن صفحة «فيسبوك» في مديريةٍ ما، بل نجدها في مختلف المؤسسات وتعبر عن سياساتٍ بكل تأكيد. حتى أن بعض وسائل الإعلام في سوريا الجديدة راحت المدراء على جهودهم وتساهم في ترسيخ ثقافة الفرد. فعندما تنشر صفحةُ وزارةٍ أنّه «بتوجيهٍ من الوزير» تمّ افتتاح مركز خدمةٍ للمواطن، فهذا ترسيخٌ لثقافة «الوزير البطل» لا لثقافة الوزارة المسؤولة عن خدمة المواطنين. أو كأن يُقال: «بتوجيهٍ من المحافظ تمت صيانة صرّافٍ في بنك»، فهذا احتكارٌ للحلول بيد المحافظ، وليس نجاحًا للمسؤول، بل فشلٌ في أنّ المعنيّين لا يستطيعون العملَ إلّا بتوجيهاته.

هذا الواقع عرفناه طويلًا في إعلام البعث وثقافة مسؤوليه، إلى درجة أنّ رئيس الوزراء لم يكن يوقّع ورقةً إلّا «بتوجيهٍ من». وهذه ثقافة لا تبني دولةَ المؤسسات، بل تبني مؤسساتِ الفرد، لا مؤسسات الدولة والمواطن.

مشاركة المقال: