الجمعة, 17 أكتوبر 2025 10:39 PM

الحجاب في إيران: لماذا يتجنب خامنئي الفتوى الحاسمة؟ وما هي مخاوف النظام من استغلال نتنياهو للمسألة؟

الحجاب في إيران: لماذا يتجنب خامنئي الفتوى الحاسمة؟ وما هي مخاوف النظام من استغلال نتنياهو للمسألة؟

تدرك القيادة الإيرانية أن مسألة الحريات الشخصية الاجتماعية قد تكون نقطة ضعف يستغلها "الأعداء" لزعزعة استقرار النظام السياسي، وهو ما حدث بالفعل خلال حرب الـ 12 يومًا مع إسرائيل، عندما حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استغلال هذه النقطة للتحريض ضد الجمهورية الإسلامية.

في رسالة تحريضية للشعب الإيراني خلال الحرب، ادعى نتنياهو أن "كيانه" كان متحالفًا مع النظام السابق، وحرض قائلًا: "حان الوقت لتوحيد الصفوف من أجل نيل حريتكم. هذه فرصتكم: نساء، حياة، حرية".

يشهد الشارع الإيراني جدلاً حول "الحجاب" وإلزاميته، وقد أبدت السلطات بعض التساهل في هذا السياق. فقد أعلن محمد رضا باهنر، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، في برنامج "بودكاست" أن نظام الحكم أنهى رسميًا سياسة "الحجاب الإلزامي".

هذا التصريح، الذي لم يحظ بمباركة رسمية، وُصف بأنه الأكثر جرأة منذ عقود حول إحدى ركائز الجمهورية الإسلامية.

تسعى إيران جاهدة للحفاظ على المسلمات الدينية التي يقوم عليها النظام الحاكم، خشية أن يُظهر التراجع عنها لأعدائها ضعفًا في عقيدتها الإسلامية، كما فعلت دول أخرى سعت للتماهي مع متطلبات الغرب.

لكن هذا التباين في الآراء حول الحجاب، الصادر عن شخصية في مجمع تشخيص "مصلحة النظام الإيراني"، يُعد صحيًا، ويتجاوز مجرد تفهم انزعاج بعض الإيرانيات من "الحجاب الإلزامي"، لأنه مسألة قد يستغلها نتنياهو، كما فعل سابقًا وسيفعل لاحقًا، مما يستدعي جس النبض.

ومن اللافت أن باهنر صرح بأن "مشروع قانون الحجاب لم يعد قابلاً للمتابعة قانونيًا وحقوقيًا، ولم يعد هناك أي إلزام أو غرامات مالية أو عقوبات بخصوصه".

وقد أثارت هذه التصريحات ردود فعل سلبية من التيار المحافظ الذي يفضل الثوابت الدينية على المخاطر السياسية، ومن بينهم محمد جواد حاج علي أكبرى، إمام صلاة الجمعة المؤقت في طهران، الذي انتقد باهنر دون أن يسميه، قائلًا: "من أنت لتتحدث بهذه الطريقة؟ من أعطاك الإذن؟ لماذا تتحدث باسم النظام؟".

سرعان ما تراجعت السلطات الإيرانية عن خطوة بدت وكأنها محاولة لكسر صرامة قوانين الحجاب، حيث أكد المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية علي أصغر جهانغير أن قوانين الحجاب لا تزال سارية، في محاولة لعدم إغضاب المحافظين.

ومع هذا التراجع، لا بد أن السلطات الإيرانية ستبحث عن مخرج آخر للتعامل مع حالات التمرد ضد الحجاب، فهي ليست حالات فردية، بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية المتفاقمة مع فرض العقوبات مجددًا على طهران.

في تصريحاته الجريئة التي تراجع عنها لاحقًا، قال باهنر: "تشهد الجمهورية الإسلامية تحولات تدريجية في أنماطها السياسية والفكرية"، مضيفًا أن "10 في المائة من سكان إيران متدينون محافظون، أما 90 في المائة فيرغبون فقط في العيش وبناء مستقبل لهم".

هذه النسبة، الصادرة عن شخصية في مجمع مصلحة النظام الإيراني، يدركها نتنياهو تمامًا.

وكان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قد رفض في مارس/آذار الماضي تنفيذ قانون "العفاف والحجاب" الذي أقره البرلمان، معتبرًا أن تنفيذه "قد يشعل الصراعات ويؤذي الناس".

وحتى وإن كان الحجاب ضمن سياسات التحريض على الدولة الإيرانية زعيمة "محور المقاومة"، ستظل وفاة الشابة مهسا أميني العام 2022 ماثلة أمام أعين الإيرانيات، حيث الرواية التي تصدرت حول مضايقة الشرطة للشابة المحجبة لعدم التقيّد التام به دون سياقات قانونية.

يمارس المرشد الإيراني السيد علي خامنئي دور المحايد والمراقب في هذه المسألة، فهو بحكم منصبه الديني لا يمكن أن يدعو النساء لخلع الحجاب بصفته فريضة، ولكن رفض الرئيس الإيراني لمسألة فرض الحجاب، ولجوئه لاحتكام المرشد، دفع الأخير لممارسة دوره الديمقراطي، وطلبه من الرئيس الإيراني التشاور مع المجلس الأعلى للأمن القومي.

وفي تصريحات قديمة، تطرق السيد الخامنئي إلى مسألة الحجاب، قائلًا: "لا ینبغي اتّهام من لا يرتدين الحجاب الكامل بالكفر ومعاداة الثورة".

تجدر الإشارة إلى أن القانون الإلزامي للحجاب في الأماكن العامة يسري منذ الثورة الإسلامية عام 1979، فيما رفض الخميني إصدار فتوى أو قانون إلزامي للحجاب، ليبقى تيّار المحافظين في مواجهة الصادّات عن الحجاب.

ووفقًا لتقارير إعلامية، أظهر رصد محلي أن النساء غير المحجبات بشكل اختياري يزداد عددهن في المدن الكبرى، مع تراجع الردود الحكومية المباشرة على بعض المخالفات، بينما تظل مناطق أخرى أكثر التزامًا، مما جعل هناك واقعًا متباينًا بين المدن الكبرى والمناطق المحافظة.

على أي حال، يبدو أن الجمع بين التساهل عملًا بتطبيق الحريات، مع تطبيق القوانين، والتمسك بالعقيدة الإسلامية، هو النهج الذي ترغب السلطات الإيرانية في تطبيقه، وهي بذلك تحاول إغلاق الثغرات تدريجيًا، فنظامها السياسي لن يغيب عن ناظره مشهد نساء إيرانيات أعلنّ تضامنهنّ مع حكومة بلادهنّ، وارتدين الحجاب، وذلك ردًّا على حرية نتنياهو المزعومة خلال عُدوانه على إيران!

مشاركة المقال: