السبت, 18 أكتوبر 2025 08:38 PM

شبكات دعارة دولية تستدرج فتيات من أوروبا الشرقية إلى لبنان: تفاصيل مثيرة تكشفها التحقيقات

شبكات دعارة دولية تستدرج فتيات من أوروبا الشرقية إلى لبنان: تفاصيل مثيرة تكشفها التحقيقات

كشفت اعترافات موقوفين وتحقيقات موسعة عن نشاط منظم لشبكات دعارة وإتجار بالبشر في الشرق الأوسط، بما في ذلك لبنان، بالتنسيق مع شبكات مماثلة في شرق أوروبا والبلقان، مما يجعلها أشبه بمافيا دولية.

أوضحت مصادر رفيعة في الأمن العام اللبناني لـ«الأخبار» أن هذه العصابات تعتمد أساليب احتيالية لاستدراج الضحايا، حيث تغرر بفتيات من قرى وأرياف فقيرة في مولدوفا وبلغاريا وصربيا وغيرها، بوعود كاذبة بوظائف مجزية في الشرق الأوسط. وبمجرد وصول الفتيات، يتم إجبارهن على العمل في شبكات دعارة، بعد الاعتداء عليهن جنسياً بشكل متكرر لكسرهن نفسياً، وإجبارهن على تعاطي المخدرات للسيطرة عليهن، وتهديدهن بإيذاء عائلاتهن في أوروبا إذا حاولن الهرب أو اللجوء إلى الأجهزة الأمنية.

تستغل هذه الشبكات ثغرات قانونية للدخول إلى «السوق» في لبنان، حيث يتم استقدام الفتيات من شرق أوروبا والبلقان بتأشيرة «فنانة»، ويتم تنظيم عقود عمل لهن مع نوادٍ ليلية كبرى «Super Night Clubs»، وتسجيلهن في نقابة الفنانات تحت مسمى «فتاة استعراض». هذا المسمى الوظيفي ليس سوى غطاء قانوني لممارسة الدعارة، مع العلم أن بعضهن يعملن بكامل إرادتهن، ولكن الغالبية بالإجبار. ورغم أن القانون اللبناني لا يجيز الدعارة رسمياً، إلا أن الأمن العام يجري فحوصات طبية دورية للفتيات للتأكد من عدم حملهن مرض «الأيدز»، ويرسل دوريات بانتظام إلى النوادي الليلية للرقابة.

وزارة السياحة كانت «تعترض على مداهمات الأجهزة الأمنية أو توقيف شبكات الدعارة، لاعتبارها أنها تلحق الضرر بالسياحة في لبنان». شهد الشهر الفائت سلسلة مداهمات أسفرت عن ختم أربعة فنادق بالشمع الأحمر، وإقفال ثلاثة مراكز تدليك. وأبرز هذه العمليات نفذها مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب في وحدة الشرطة القضائية، واستهدفت شبكة دعارة داخل فندق في بيروت، وأوقف خلالها 18 فتاة من جنسيات متعددة، بينها التركية والفنزويلية والروسية والأوزبكية والطاجيكية والمولدوفية، إضافة إلى مدير الفندق وموظف الاستقبال.

تُصنّف هذه الشبكة ضمن الأكثر شهرة ونفوذاً وتقاضياً للأجر، حيث تتقاضى الفتاة 400 دولار للساعة الواحدة عند الخروج، و200 دولار داخل الفندق الذي يُعدّ مقراً أساسياً للشبكة، فيما تتيح للزبائن الدفع عبر العملات الرقمية، وللشبكة قناة خاصة على تطبيق «تيليغرام» تُعرض صور الفتيات عليها.

تبيّن أن الفتيات في هذه الشبكة عملن سابقاً في دول عربية وأجنبية ضمن شبكة دولية تنشط في منطقة الشرق الأوسط، ويقع فرعها الثاني في السعودية، وتدار من أشخاص خارج لبنان، بالتنسيق مع شركاء محليين. كذلك كشف مصدر في أمن الدولة عن توقيف ح. ي.، أحد أبرز مشغلي شبكات الدعارة، والذي يتولى نقل فتيات من الضاحية الجنوبية إلى جونية، وهو شريك المدعو «زوزو نظيرة»، الذي أوقفته شعبة المعلومات قبل حوالى شهرين في جونية، بعد مداهمة تخللها إطلاق النار.

أفاد مصدر في مخابرات الجيش بتوقيف شبكة دعارة وترويج مخدرات في فندق في الضاحية الجنوبية لبيروت، في 13 الشهر الماضي، لافتاً إلى إقرار المدعوة (ج. ح.) في التحقيق بإدارتها، واستدراج فتيات وتصويرهن، ثم ابتزازهن بهدف تشغيلهن. وأجمعت مصادر الأجهزة الأمنية الرسمية الأربعة على أن «تنفيذ مداهمات أكثر مرتبط بتوافر أماكن في السجون». ووفقاً لـ«خبير» في هذا الوسط، لا يمكن استمرارية عمل أي شبكة لأسابيع متتالية إلا بوجود غطاء أمني.

فيما لا تزال بعض الشبكات تعتمد الأساليب التقليدية، أي استئجار شقق سكنية وتجهيزها لاستقبال الزبائن تحت ما يُعرف بمصطلح «In call»، تستخدم شبكات أخرى الشقق كمراكز تجمع من دون استقبال الزبائن، وغالباً ما تكون في أماكن قريبة من مناطق تضم عدداً كبيراً من الفنادق. وتلجأ شبكات أخرى إلى الإقامة في فنادق، حيث يحجز المُشغِّل عدداً من الغرف (غرفة لكل فتاة)، ويُنسِّق مسبقاً مع الزبون عبر اتصال هاتفي لتحديد الفتاة والسعر. ونشاط هذه الشبكات لا ينحصر بمناطق محددة، فبعد مقاطعة المعلومات المتوافرة، تنتشر بيوت الدعارة والفنادق التي تستخدمها هذه الشبكات في مناطق مختلفة من بيروت ومحيطها، وصولاً إلى ساحلَي المتن وكسروان.

أما النمط الأكثر رواجاً، فهو «الدليفري الجنسي» أو «Out call»، أي التواصل هاتفياً لإرسال الفتاة إلى المكان الذي يريده الزبون. وتبدأ العملية، بعد التواصل مع أرقام للشبكات معروفة للزبائن، وإرسال صور الفتيات عبر تطبيقات مثل «واتساب» أو «تيليغرام»، ليختار الزبون إحداهن ويرسل موقعه بعد الاتفاق على السعر. وتتخذ بعض الشبكات واجهات تمويهية تصعب ملاحقتها قانونياً، أبرزها مراكز التدليك. وفي الآونة الأخيرة، برزت ظاهرة «الدعارة الإلكترونية المنظمة»، أي تقديم خدمات جنسية عبر مكالمات فيديو مقابل مبالغ مالية تُحوّل سلفاً عبر شركات تحويل الأموال.

وفقاً لمصادر أمنية، فإن الجنسية التي تتصدر سوق الدعارة في لبنان، هي السورية، نتيجة لعوامل عدة، أبرزها النزوح، وتفلّت المعابر الحدودية بين البلدين، إلى جانب استمرار الأزمة الاقتصادية في سوريا. وفي عام 2023، صدرت نشرات حمراء عبر «إنتربول»، لملاحقة سوريين مقيمين في لبنان متورطين في شراكات مع شبكات دعارة لبنانية، تستقدم فتيات سوريات لتشغيلهن. وتأتي في المرتبة التالية الجنسيات الأفريقية، فالجنسيات الآسيوية، وأبرزها الفيليبينية، ثم من شرق أوروبا والبلقان، مع الإشارة إلى أن الفترة الماضية شهدت تكاثراً للفتيات من الدول اللاتينية، خصوصاً فنزويلا والبيرو وكولومبيا والبرازيل.

تختلف تسعيرة الساعة الواحدة وفقاً للمنطقة ونوع الشبكة وجنسية الفتاة وطبيعة الخدمة المقدّمة. ويقدر المعدل المتعارف عليه للجنسيات العربية من 50 إلى 130 دولاراً، فيما تراوح تسعيرة الجنسيات الآسيوية والأوروبية واللاتينية بين 200 و400 دولار. أما الجنسيات الأفريقية، فتراوح التسعيرة بين 20 و80 دولاراً. أوضحت المحامية جوزيت يمين أن مهنة البغاء في لبنان نُظّمت بقانون صدر في عام 1931، سمح بفتح بيوت دعارة مرخّصة ضمن شروط صحية، إلى أن توقفت الحكومة عن منح التراخيص في أواخر الستينيات. وفي عام 2011، صدر القانون الرقم 164 الذي صنّف الإتجار بالأشخاص كجناية، وحدّد العقوبات حسب هوية الضحية وخطورة الوسائل، وتصل إلى السجن لمدة 15 عاماً.

تستخدم معظم شبكات الدعارة منصات إلكترونية عالمية، تعرض الفتيات عليها مع الأسعار وأرقام التواصل. كما تحوّلت بعض تطبيقات التعارف التقليدية، التي وجدت أساساً للزواج والعلاقات الجدية مثل «تيندر»، إلى أدوات تُستخدم في السياق نفسه، كما هو الحال مع تطبيق «تيليغرام»، حيث تنشر صور الفتيات على قنوات لشبكات الدعارة، مع مواصفاتهن. مصدر أمني في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية أشار إلى صعوبة معالجة هذه الظاهرة نظراً إلى وجود الخوادم خارج لبنان.

مشاركة المقال: