شبكة أخبار سوريا والعالم/ قبل شهر تقريبًا، قام علي ب. (46 عامًا) ببيع شقته في منطقة الرويس بالضاحية الجنوبية لبيروت بمبلغ 105 آلاف دولار، وهو أقل بـ 30 ألف دولار من قيمتها قبل عام. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه أراد بيعها وتحصيل جزء من ثمنها خوفًا من خسارتها بالكامل في حال استهدافها من قبل إسرائيل، خاصة وأن هذه الشقة تمثل حصيلة عمره الذي قضاه في إحدى دول الاغتراب.
وعلى غرار علي، يسعى العديد من مالكي الشقق السكنية في الضاحية الجنوبية لبيروت، مركز نفوذ «حزب الله»، إلى بيعها خشية تضررها جراء استهدافات إسرائيلية محتملة، أو في حال تجدد الحرب على لبنان، وهو ما يخشاه معظم اللبنانيين، خاصة مع الاعتقاد بأن انتهاء الحرب في غزة قد يثير المخاوف من انتقالها إلى لبنان.
وتكتظ الصفحات الإلكترونية المتخصصة في الإعلانات العقارية بإعلانات بيع الشقق في الضاحية الجنوبية، وهو أمر لم يكن شائعًا بهذا القدر قبل استئناف إسرائيل لضرباتها في الضاحية الجنوبية لبيروت في أواخر مارس (آذار) الماضي، وتصاعدت هذه الظاهرة مع تزايد المخاوف مؤخرًا من تجدد الحرب بعد هدنة غزة.
أبو حسين هو واحد من هؤلاء، وقد قرر بيع شقته في السان تيريز. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «عرضت شقتي للبيع منذ أكثر من شهر، والسبب الرئيسي هو حاجتي لثمنها لدفع الإيجار المتراكم عليّ». نزح أبو حسين وعائلته منذ حوالي عام واستأجر منزلاً في بشامون، ولا يزال يقيم فيه حتى اليوم بسبب الوضع الأمني المتأزم.
ولا يهتم أبو حسين بالحصول على ثمن منخفض لشقة، فهو يفضل ذلك على الاحتفاظ بها، قائلاً: «تضررت شقتي عدة مرات أثناء الحرب الموسعة (بين سبتمبر/ أيلول ونوفمبر/ تشرين الثاني 2024) وبعدها، وفي حال اندلعت حرب أو استهدافات جديدة، قد أفقدها بالكامل». ويضيف: «طلبت من وسيط أعرفه عرضها للبيع، وأنتظر منه خبرًا. لقد أخبرني أن هناك العديد من الشقق المعروضة للبيع».
واستهدفت إسرائيل الضاحية الجنوبية لبيروت عدة مرات بعد دخول وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل حيز التنفيذ في نوفمبر 2024، مما أدى إلى تضرر الشقق السكنية نتيجة الغارات المتكررة.
أحمد، وهو من سكان برج البراجنة، يقول إن عرض المباني للبيع في الضاحية أصبح شائعًا، وإن «العديد من الشقق السكنية معروضة للبيع»، وإن هذا الأمر «يشغل بال الناس؛ كيف يبيعون شققهم؛ لأنهم انتقلوا للعيش في مكان آخر، أو أنهم يريدون الانتقال في أقرب وقت ممكن»، وفقًا لما قاله لـ«الشرق الأوسط».
نزحت عائلات كثيرة من الضاحية إلى مناطق مختلفة في الجبل وعلى أطراف بيروت، خوفًا من الوضع الأمني المتأزم في البلاد، ويريدون بيع منازلهم خشية خسارتها نهائيًا. ويعلق أحمد: «أسعار الشقق المعروضة للبيع انخفضت بشكل كبير عما كانت عليه، ويتراوح تراجع الأسعار بين 20 و40 في المائة. الأرقام مبالغ فيها ولم تصل إلى هذا الحد من قبل. الناس لا يعرفون متى ستستقر الأمور».
يؤكد وسطاء بيع العقارات في الضاحية هذا الواقع، ويقول أحد السماسرة لـ«الشرق الأوسط»: «ارتفع عدد الشقق المعروضة للبيع بشكل كبير في الفترة الأخيرة»، ويضيف: «… إلا أن الطلب وشراء المعروض من هذه الشقق قليل، ويحدث في حالات نادرة»، وذلك على الرغم من انخفاض أسعار الشقق المعروضة بشكل كبير.
ويتابع: «من يهتم بشراء الشقق حاليًا هم الميسورون الذين ينتظرون انتهاء الحرب للاستثمار فيها وبيعها بأسعار مضاعفة».
وقد انخفضت الأسعار كثيرًا ووصلت إلى أقل من نصف ثمن الشقة في كثير من الأحيان؛ فعلى سبيل المثال، يقول الوسيط: «انخفض سعر متر البناء في قلب الضاحية من 1300 و1500 دولار إلى 500 و700 دولار»، أما المناطق التي يرتفع فيها سعر متر البناء في الأصل، مثل حي الأميركان ومنطقة السان تيريز، والتي كان يتراوح فيها سعر المتر بين 2000 و3 آلاف دولار، فقد أصبح سعر المتر فيها «معروضًا بنحو ألف دولار أو أكثر بقليل».
وكخطوة استباقية، قررت لمى بيع شقتها قبل وقت قصير من الحرب، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «تركت منزلي في الضاحية وانتقلت للعيش في منطقة الحازمية؛ لأسباب كثيرة، أهمها أنني كنت أشعر بأن الوضع الأمني ليس مستقرًا، وأن شيئًا ما قد يحدث في أية لحظة».
وعن السبب الرئيسي الذي دفعها للانتقال والعيش خارج الضاحية، وهو المكان الذي ولدت وترعرعت فيه، تقول: «أردت أن يعيش أطفالي حياة آمنة، وأعتقد أنني كنت محقة في خياري هذا»، وتضيف: «عاش الأطفال ظروفًا صعبة للغاية أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان، وقبل الحرب وبعدها، بسبب وجود المسيّرات الإسرائيلية المستمر في سماء البلاد، والطلعات الجوية للطيران الحربي الإسرائيلي، وكذلك الاستهدافات التي تكررت هناك».
ويحدث ذلك في وقت لم يحصل أصحاب الشقق السكنية على تعويضاتهم بعد، وإنما بدل إيواء وأثاث فقط، وذلك بعد مرور نحو 10 أشهر على انتهاء الحرب. ويقدر البنك الدولي أعداد الوحدات السكنية المدمرة والمتضررة بأكثر من 162 ألف وحدة، في حين تقول مؤسسة «جهاد البناء» إنها تخطت 348 ألف وحدة، علمًا أن إسرائيل لا تزال تستهدف وتقصف لبنان بشكل شبه يومي، وبالتالي فإن هذه الأعداد قابلة للارتفاع أكثر.