الأحد, 19 أكتوبر 2025 05:47 PM

أزمة الديون تدفع مزارعي رأس العين وتل أبيض للتخلي عن أراضيهم الزراعية

أزمة الديون تدفع مزارعي رأس العين وتل أبيض للتخلي عن أراضيهم الزراعية

عنب بلدي – رأس العين: تتفاقم ظاهرة بيع الأراضي الزراعية في مدينتي رأس العين وتل أبيض شمالي سوريا، حيث يلجأ الأهالي إلى هذه الخطوة لتسديد ديونهم المتراكمة نتيجة ارتفاع تكاليف الزراعة وضعف العائد المادي من الإنتاج.

أكد عدد من المزارعين لـ عنب بلدي أن المواسم الزراعية تواجه صعوبات جمة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وأجور العمالة وأسعار البذار والأسمدة، بالإضافة إلى قلة الدعم الزراعي من الجهات المعنية، مما يجبر الكثيرين على بيع أراضيهم. كما ساهم سوء التربة وانحسار المياه الجوفية والخسائر المالية المتتالية في مواسم الزراعة في دفع المزارعين في رأس العين وتل أبيض إلى بيع أراضيهم الزراعية أو جزء منها.

بعد خسائر وديون

باع عمر الحسون من قرية حمام التركمان جنوبي تل أبيض نحو 40 دونمًا من أصل 70 دونمًا من أرضه المروية، نتيجة خسائر موسم القمح والقطن، بسبب سوء المواسم الزراعية وضعف الإنتاج وتراكم الديون. وأوضح عمر لـ عنب بلدي أن سعر الدونم الواحد بيع بـ 600 دولار، وهو سعر منخفض مقارنة بمنطقة غنية بالمياه على امتداد نهري الجلاب والبليخ. وأضاف أن ديونه تجاوزت 9000 دولار، نتيجة شرائه المواد الزراعية والأسمدة والبذار لتجهيز الأرض لعدة محاصيل، مع غياب أي دعم رسمي ساعده على تغطية جزء من خسائره.

تراكمت الديون على مصطفى الحسن، من قرية الحلبية جنوبي مدينة رأس العين، لتصل إلى أكثر من 11,000 دولار أمريكي، نتيجة تكاليف الزراعة المرتفعة والخسائر في المواسم الزراعية. لم يجد مصطفى حلًا سوى بيع أرضه الزراعية التي يملكها، والبالغ مساحتها 45 دونمًا، بسعر 500 دولار للدونم الواحد، وهو سعر أقل من قيمتها الفعلية بسبب الضغط المالي والحاجة الملحة لسداد الديون. وذكر مصطفى لـ عنب بلدي أنه بعد سداد ديونه، يخطط لاستثمار المبلغ المتبقي في مشروع تجاري بعيد تمامًا عن الزراعة، معربًا عن أمله في أن يوفر له المشروع دخلًا ثابتًا يضمن استقرار أسرته ويخرجها من دائرة الديون المتكررة.

تقسم الأراضي الزراعية في رأس العين وتل أبيض إلى منطقة استقرار أولى، وثانية، وثالثة، ورابعة، وتتم تسميتها بناء على مستوى المياه المتوفرة في كل منها وكمية هطول الأمطار. ولم يكن هذا التوجه خيارًا بل "قدرًا محتومًا" في المنطقة التي يعتمد سكانها على الزراعة، حيث تراجع الإنتاج بسبب ضعف التربة وتصحرها، وانخفاض أسعار المحاصيل، وتحكم التجار بها.

فائض في المعروض

دفعت الضغوط المالية وارتفاع تكاليف الزراعة العديد من المزارعين في تل أبيض ورأس العين لبيع أراضيهم، وسط ضعف إنتاجية التربة وصعوبة تصريف المحاصيل، ما أدى إلى زيادة حجم الأراضي المعروضة للبيع بشكل غير مسبوق، مع اتجاه بعض السكان للبحث عن مصادر دخل بديلة خارج الزراعة.

معتصم حمود صاحب عدة مكاتب عقارية بتل أبيض ورأس العين، قال لـ عنب بلدي، إن مساحة الأراضي المعروضة للبيع في المنطقتين وصلت إلى نحو 24,000 دونم، وهو رقم كبير جدًا مقارنة بالسنوات الماضية. وذكر أن كثيرًا من المزارعين يبيعون أراضيهم بأسعار أقل بنحو 50% من السعر المتعارف عليه في المنطقة، نتيجة الضغوط المالية وتكاليف الزراعة المرتفعة. وأشار معتصم إلى أن المعروض من الأراضي أصبح أكبر من الطلب، خاصة مع توجه السكان لممارسة أعمال أخرى مثل التجارة وغيرها، ما جعل السوق يعاني من فائض كبير في المعروض.

ووفق أرقام حصلت عليها عنب بلدي، فإن مساحة الأراضي الزراعية في رأس العين تبلغ 1.270 مليون دونم، تتجاوز مساحة الأراضي البعلية منها 420,000 دونم، طال التصحر مساحات واسعة منها، جراء هبوط مستوى المياه، وتعتبر ذات إنتاج قليل وشبه معدوم. وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في تل أبيض وحدها 1.190 مليون دونم، موزعة بين مروي وبعلي.

تكاليف مرتفعة وإنتاج متراجع

المهندس الزراعي عصام الحمود، الذي يعمل في المجال الزراعي منذ نحو 30 عامًا، قال إن الزراعة في تل أبيض ورأس العين تواجه تحديات كبيرة بسبب ضعف التربة وتصحرها وارتفاع تكاليف الإنتاج، ما يجعل استمرار المزارعين في العمل بأراضيهم صعبًا. وأوضح الحمود أن الإنتاجية تراجعت، وأن كثيرًا من الأراضي تعتمد على محركات "الديزل" لسقايتها، إذ أصبح سعر برميل المازوت مرتفعًا جدًا، ما يزيد الضغوط المالية على الفلاحين ويجعل الزراعة غير مجدية في بعض المناطق. وأضاف أن انخفاض أسعار المحاصيل وصعوبة تصريف الإنتاج جعل جزءًا كبيرًا من المزارعين يفقدون الأمل، ما يجعل الأراضي عرضة للبيع بشكل متزايد.

ويرى الحمود أن تراكم الديون وارتفاع التكاليف وانخفاض العائد لكل دونم تقلل القدرة الإنتاجية وتؤثر على الأمن الغذائي المحلي، ما يعكس هشاشة القطاع الزراعي. وأشار إلى أن الحلول الممكنة تشمل تقديم دعم مالي مباشر لتغطية تكاليف الإنتاج، وتحسين بنية التربة، واستخدام تقنيات ري حديثة، وضبط أسعار المحاصيل لضمان عائد مناسب، بالإضافة إلى تفعيل المصارف الزراعية لتقديم قروض ميسرة وأسمدة وبذور، مع متابعة دفع المستحقات المتأخرة لضمان استمرار النشاط الزراعي.

تواصلت عنب بلدي مع المجالس المحلية في تل أبيض ورأس العين، حيث قالت المجالس إنها لا تمتلك القدرة الكاملة على تحسين الواقع الزراعي أو استصلاح الأراضي، وتقتصر إمكاناتها على تقديم دعم محدود يشمل توفير الآليات الزراعية والاستشارات الفنية. وأشارت المجالس إلى أن المنطقة بحاجة إلى تدخل أوسع من المنظمات والجهات الحكومية لضمان استمرار النشاط الزراعي ورفع إنتاجيته.

تقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، وتسيطر عليهما الحكومة السورية، بينما تحيط بهما جبهات القتال مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، إذ يعتبر منفذها الوحيد نحو الخارج هو الحدود التركية.

مشاركة المقال: