الأربعاء, 22 أكتوبر 2025 01:43 AM

الإصلاح الجذري مقابل الاستقرار: تحليل لإدارة المجتمعات في ظل التحديات المعاصرة

الإصلاح الجذري مقابل الاستقرار: تحليل لإدارة المجتمعات في ظل التحديات المعاصرة

مقال رأي - حسام نجار: في المشهد السياسي والاجتماعي الراهن، تتعدد الأفكار والتيارات، ولكل منها حججه وأسبابه، وتسعى لترويج أفكارها بالاعتماد على الأرقام والوقائع. يبرز الصراع بين الإصلاحية والجذرية كأكثر هذه التيارات جاذبية، مع أهمية التمييز بينهما لاختلافهما الجوهري في الهدف والتطبيق.

يسعى التيار الإصلاحي عادةً إلى تطوير المؤسسات والأنظمة القائمة من الداخل، من خلال إصلاح السياسات، وتحديث القوانين، وتشجيع المشاركة المجتمعية، مع مراعاة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، والتعامل بواقعية مع مكونات المجتمع، لضمان القدرة على التعاون والتكاتف في تنفيذ هذه السياسات.

بالمقابل، يعتمد التيار الجذري بشكل أساسي على تغييرات جذرية تتجاوز الأطر القانونية والاجتماعية، ويركز على التحولات السريعة، أحياناً على حساب الاستقرار، مما قد يؤدي إلى صراعات أو اضطرابات مؤقتة أو طويلة الأمد.

نظرة عملية

تشير الدراسات الحديثة إلى أن التيارات الإصلاحية تحقق نجاحاً ملموساً في التنمية المستدامة، بينما تواجه التيارات الجذرية انخفاضاً في معدلات الاستثمار قد يصل إلى 12% بسبب عدم اليقين السياسي. ويُقصد باليقين السياسي القدرة على تجاوز التحديات السياسية، وفرض الرؤية السياسية، وتحقيق الاستقرار السياسي، ووضوح الرؤية. هذا التباين يستدعي استراتيجية مزدوجة: دعم السياسات الإصلاحية التي تعزز الشفافية والمساءلة، ومراقبة التيارات الجذرية لمنع تحول الأفكار الراديكالية إلى أفعال تهدد الاستقرار المجتمعي.

في الحالة السورية، يتضح الصراع بين التيارين الإصلاحي والجذري. يعمل التيار الإصلاحي كمنسق داخلي ومرمم للأطر القائمة، محاولاً تطوير المؤسسات وتحديث السياسات وفتح المجال لمشاركة المواطنين دون هدم البنية القائمة. وفقاً لبيانات البنك الدولي لعام 2023، شهدت الدول التي اعتمدت الإصلاح التدريجي نمواً اقتصادياً متوسطه 3.8% سنوياً، وانخفاضاً في معدلات الفقر بنسبة 2.1% سنوياً. بينما تواجه التيارات الجذرية، التي تعتمد على مسح الماضي وبناء منظومة جديدة كلياً، تراجعاً في الاستثمار يصل إلى 12% وزيادة في حالات عدم الاستقرار الأمني والاجتماعي بنسبة 18% سنوياً، وفقاً لتقارير معهد السلام الدولي. يعود ذلك إلى عملية البناء من القاعدة وليس الاعتماد على الأساس القديم.

في بعض الحالات، ونتيجة لهشاشة الأساس واهتراء القوانين وعدم القدرة على إصلاحها، يصبح التغيير الجذري ضرورياً، بحيث يتم تهيئة الأرض للبناء الجديد، كما يحصل في التربة الزراعية عندما تُقلب الأرض رأساً على عقب للزراعة من جديد.

بالمقابل، المعركة ليست اقتصادية فقط، بل هي صراع بين الوعي وإدراك المخاطر وبين الرغبة في هدم الإرث القديم وبناء قاعدة جديدة. يستخدم الإصلاحيون أدوات التعليم والإعلام والتقنيات الحديثة لبناء مجتمعات متماسكة، بينما يلجأ الجذريون غالباً إلى خطاب الاستقطاب والتحفيز العاطفي والقرارات الثورية لتحقيق تحولات سريعة، ولكنها محفوفة بالمخاطر.

من هنا، تبرز الحاجة إلى استراتيجية مزدوجة: دعم الإصلاحات الواقعية القائمة على البيانات، وتطوير مؤشرات مراقبة مبكرة للتيارات الجذرية، لاحتوائها قبل أن تتحول إلى أزمات ملموسة.

بالمحصلة، المعركة ليست بين أفكار وحسب، بل بين نماذج إدارة المجتمعات؛ نموذج يعتمد على الحذر والحكمة، ونموذج آخر يعوّل على التغيير السريع والمخاطرة الكبرى. الأرقام هنا ليست مجرد إحصاءات، بل أداة لتوجيه السياسات وصياغة المستقبل. إن إدارة المجتمعات من أعقد الإدارات، فهي ليست قواعد جامدة أو نظم ثابتة، بل ظروف وحاجات اجتماعية تتطلب التكيف مع الظروف، وهو جزء من التيارات الفكرية المتضاربة.

((الموازنة الاستراتيجية في التغيير مطلب أساس في الحالة السورية ))

مشاركة المقال: