نور الدين عمر – حلب
تعاني مدينة عفرين في شمال غربي سوريا من أزمة مياه متفاقمة، حيث تراجع ضخ المياه إلى الأحياء السكنية، مما أجبر السكان على الاعتماد على صهاريج المياه المتنقلة لتلبية احتياجاتهم الأساسية من مياه الشرب والاستخدام المنزلي.
يعتمد سكان المدينة بشكل أساسي على محطة ميدانكي وبعض الآبار الجوفية المنتشرة في ريف المنطقة لتأمين احتياجاتهم اليومية من المياه. ومع ذلك، شهدت كميات الضخ تراجعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، حيث تتراوح فترات الانقطاع بين عدة أيام وقد تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من أسبوع كامل، مما زاد من معاناة السكان.
يشكو السكان من ضعف ضخ المياه وهدرها. يقول رستم علي، وهو من سكان مدينة عفرين ويبلغ من العمر 55 عاماً، إن ضخ المياه إلى مركز المدينة أصبح نادراً جداً. وأوضح لـ "نورث برس": "المياه تُضخ مرة واحدة في الأسبوع، وحتى عندما تُضخ تكون ضعيفة جداً ولا تصل إلى الطوابق العلوية بسبب قلة الكميات المتاحة".
وطالب علي شركة المياه بزيادة عدد أيام الضخ من يوم واحد إلى يومين على الأقل أسبوعياً لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، مضيفاً: "هناك أشخاص لم يركّبوا عوامات في خزاناتهم، وعندما يتم الضخ نرى المياه تسيل من فوق أسطح الأبنية من الصباح حتى المساء. هذه المياه تُهدر بدون محاسبة، ويجب فرض مخالفات على كل من يهدر المياه". وأشار إلى أن سوء إدارة استهلاك المياه من قبل بعض السكان يفاقم من حدة الأزمة، داعياً إلى "تفعيل الرقابة وتشديد المحاسبة لضمان وصول المياه للجميع بعدالة".
من جانبه، يصف جان محمود (28 عاماً)، وهو من سكان المدينة، الوضع بأنه "مرهق جداً"، مؤكداً أن ضخ المياه ليوم واحد في الأسبوع لا يكفي، خاصة للعائلات الكبيرة. وقال محمود لـ "نورث برس": "المياه تصل ضعيفة بسبب استهتار بعض السكان بطريقة الاستهلاك. من الأفضل أن تقوم شركة المياه بتركيب عدادات لكل منزل، حتى يتحمل كل بيت تكاليف استهلاكه الفعلي، مما يحدّ من الهدر". وأشار إلى أن تكلفة شراء صهاريج المياه أصبحت عبئاً كبيراً على ذوي الدخل المحدود، قائلاً: "سعر خمسة براميل من المياه يبلغ نحو 200 ليرة تركية (4.77 دولار أميركي)، وهذا مبلغ لا تستطيع الكثير من الأسر تحمّله".
وأضاف أن المياه التي تصل عبر الشبكة العامة "غالباً ما تحتوي على شوائب ولونها أصفر، ما يجعلها غير صالحة للشرب من دون استخدام فلاتر منزلية". وطالب الجهات المسؤولة بـ "زيادة ضخ المياه إلى مرتين أسبوعياً على الأقل وتركيب عدادات في جميع المنازل للحد من الاستهلاك العشوائي".
أوضح مجال ديبان، المدير العام للمؤسسة العامة لمياه الشرب في حلب، أن السبب الأساسي لأزمة المياه في عفرين يعود إلى "التراجع المخيف في منسوب مياه بحيرة ميدانكي"، التي تُعد المصدر الرئيسي لتغذية المدينة بالمياه. وقال ديبان لـ "نورث برس": "سكان مدينة إعزاز يستهلكون نحو 8 آلاف متر مكعب من المياه في اليوم الواحد، في حين يصل استهلاك سكان عفرين إلى 12 ألف متر مكعب في اليوم، والبحيرة تفقد يومياً ما يقارب 20 ألف متر مكعب من مخزونها، عدا عن كميات التبخر، وهو ما يجعل الوضع خطيراً للغاية في ظل موجة الجفاف التي تضرب المنطقة".
تشير تقارير حقوقية إلى أن تركيا تستفيد من مياه بحيرة ميدانكي على حساب سكان المنطقة، بالإضافة إلى الاستجرار المتزايد من مياه البحيرة. إلا أن مدير الموارد المائية في محافظة حلب ربط تراجع المنسوب بالجفاف وشح الأمطار، وليس نتيجة سوء إدارة محلية أو سحب عشوائي للمياه.
وأشار مجال ديبان إلى أن مديريته تواصل العمل لإيجاد بدائل لتأمين المياه، قائلاً: "نعمل حالياً على دراسة إمكانية جلب المياه من نهر الفرات لتغطية النقص، لكن هذا يتطلب وقتاً وإمكانيات لوجستية كبيرة". وطالب ديبان السكان بضرورة ترشيد استهلاك المياه، محذراً من أن استمرار الاستهلاك العشوائي "قد يؤدي إلى أزمة أكبر في المستقبل القريب إذا لم يتم ضبط الاستهلاك بشكل عاجل".
مع استمرار تراجع منسوب المياه وارتفاع الطلب عليها، يعيش سكان عفرين حالة من القلق الدائم خشية وصول الأزمة إلى مرحلة الجفاف الكامل، في وقت تتزايد فيه الدعوات الشعبية والرسمية إلى ترشيد الاستهلاك وإيجاد حلول مستدامة لضمان استمرار تدفق المياه إلى المدينة.
تحرير: معاذ الحمد