الأربعاء, 22 أكتوبر 2025 08:42 PM

القهوة في اللوحة: رمزية وألوان تحكي قصصًا اجتماعية وثقافية

القهوة في اللوحة: رمزية وألوان تحكي قصصًا اجتماعية وثقافية

لطالما كانت القهوة أكثر من مجرد مشروب؛ فهي تحمل في طياتها رموزًا ودلالات عميقة، خاصة في عالم الفن. فـ "التفل" المتبقي في قعر الفنجان، لطالما قرأت فيه النسوة خطوط الحظ، ورأين فيه طاقات الفرج، الحسد والغيرة، وأشكالاً متنوعة من الكائنات.

وبعيدًا عن "قارئات الفنجان" أو "البصارات"، وجد الفنانون التشكيليون في القهوة قيمًا جمالية فريدة. فقد استخدموا بقايا القهوة لخلق لوحات فنية غنية بالمضامين البحثية والجمالية والفكرية. لتتحول القهوة، أو بقاياها، في الفنون التشكيلية إلى عنصر فني ينبض بالحياة، ويعبر عن الأبعاد الاجتماعية والثقافية والنفسية.

الفنان التشكيلي مؤيد كنعان يوضح أن "التشكيل بالقهوة هو التدفق اللوني الآثر للمشاعر النبيلة"، حيث تُستخدم القهوة كوسيلة فنية لخلق توازن بين الواقع والخيال، وإنتاج تأثيرات لونية تحرك بصيرة المتلقي. لتصبح القهوة وسيلة للتعبير عن الحب، والأمان، والحنين، وتضفي على الأعمال الفنية طابعاً دافئاً وحميمياً.

منذ القدم، دخلت القهوة إلى فضاء الفن التشكيلي، وأصبح فنجان القهوة عنصراً محورياً في لوحات تروي قصص الحياة اليومية. ففي أعمال الفنان الفرنسي إدوار مانيه، نجد مشاهد المقاهي الباريسية في القرن التاسع عشر، حيث كانت القهوة جزءاً من المشهد الاجتماعي، ورمزاً للتأمل والحوار، في أجواء تجمع بين الواقعية والحميمية.

الفنان التشكيلي علي الشيخ يرى في القهوة أكثر من مجرد مشروب ساخن؛ فقد استخدمها في الكثير من أعماله الفنية، وأضاف لها بعداً أعمق جمالياً. ويقول: "القهوة بالنسبة لي ليست مجرد خامة أعمل بها، بل مادة وجودية تحمل في لونها ورائحتها ذاكرة الإنسان وأثر المكان." فالقهوة في أعماله تتجاوز كونها عنصراً لونياً لتصبح "كائناً حياً يتنفّس على سطح اللوحة".

لطالما كانت القهوة جزءاً من الطقوس الاجتماعية، فهي رمز للتواصل والضيافة في العديد من الثقافات. فالقهوة العربية، مثلاً، تحمل دلالات ثقافية عميقة، وتعكس الكرم والتواصل الاجتماعي. ويرى مؤيد كنعان في القهوة وسيلة لتعزيز التفاعل بين الفن والمجتمع، قائلاً: "القهوة تضفي الشغف على أمكنة دافئة حالمة بمزيد من الحب والأمان".

أما علي الشيخ فيعتبر أن القهوة تحمل طابعاً ثقافياً خاصاً يعكس جغرافية الإنسان وتاريخ المكان، ويضيف: "القهوة العربية بخفّتها ولونها الذهبي تُشبه الصحراء في صفائها واتّساعها، و(الإسبريسو) الإيطالية المكثّفة تشبه فنون النهضة في دقّتها وامتلائها، أما القهوة التركية الغامقة فتحتفظ في قاع الفنجان بأسرار مدنٍ عتيقة لم تكشفها كل الحروب…"

لم تقتصر القهوة على كونها مجرد عنصر رمزي أو مشهدي، بل أصبحت مادة تشكيلية حقيقية. فمؤيد كنعان يصفها بأنها "تدفق لوني" يُعبّر عن مشاعر الفنان ويُحرك بصيرة المتلقي. وقد استخدم العديد من الفنانين المعاصرين مثل ماريا أريستيدو وهالة شهاب القهوة السائلة كخامة رسم، مستفيدين من تدرجاتها اللونية.

ويتحدث علي الشيخ عن استخدامه القهوة كأداة لتوثيق التاريخ والمكان ويقول: "عند رسم القهوة، لا استخدم اللون، بل استدعي الذاكرة والمكان والسياسة والوجدان في آنٍ واحد."

القهوة تحمل دلالات ثقافية مختلفة في الشرق والغرب. ففي الغرب، كانت القهوة رمزاً للتحرر الفكري، كما في أعمال إدوار مانيه. أما في الشرق، فإن القهوة تُعدّ جزءاً من تقاليد الضيافة، تعبيراً عن الكرم والترحيب.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: