الخميس, 23 أكتوبر 2025 01:34 PM

إسرائيل قلقة: هل تستعد إيران لجولة جديدة من برنامجها النووي؟

إسرائيل قلقة: هل تستعد إيران لجولة جديدة من برنامجها النووي؟

على الرغم من النبرة الواثقة التي تتبناها الدعاية السياسية الإسرائيلية منذ انتهاء حرب الـ 12 يومًا ضد إيران، لا يوجد ما يشير داخل المؤسسة الإسرائيلية إلى أن التحدي قد انتهى، أو أن المشروع النووي الإيراني قد خرج من الحسابات. المشهد الحقيقي لا تحدده البيانات الحكومية، بل يُقاس من زاوية من يمتلك القدرة على الاستئناف، لا من تعرض لضربات ظرفية لم تحسم المعادلة.

بقدر ما بالغت الأوساط السياسية الإسرائيلية في تصوير الضربة كإنجاز حاسم، فإن التدقيق، حتى في كلام المبالغين – بمن فيهم بنيامين نتنياهو -، يُظهر أن هؤلاء يتجنبون التركيز على مستقبل البرنامجَين النووي والصاروخي الإيرانيَّين. ولهذا، فإن التقدير الدقيق للمؤسسة الإسرائيلية لا يتعارض مع حقيقة أن إيران لا تزال قادرة على إعادة تشغيل مشروعها النووي متى قررت، وأن الضربة لم تنتزع منها قدرتها على ذلك، وإنْ كانت عطّلت برنامجها أو أبطأته مؤقتًا.

من هنا، تنبع أهمية المخاوف والتحذيرات التي بدأت تتوالى في كيان العدو، وآخرها ما صدر عن رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك، ووزير الأمن الأسبق ورئيس «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان؛ إذ خرج كلاهما بخلاصة لا تنسجم والخطاب «الانتصاري»، مفادها أن إيران لم تتراجع، بل تتهيأ لجولة تالية بثقة أكبر. ولم يخفِ باراك أن اليورانيوم المخصّب، والبنية التقنية والعلمية، لا يزالان قائمَين، وأن المسافة بين «التجميد» و«الاستئناف» أقصر بكثير مما يوهم به الخطاب السياسي.

أما ليبرمان، الذي رأى الصورة من داخل غرفة التقدير العسكري، فقد لمّح إلى هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية مقارنة بقدرة إيران، داعيًا الإسرائيليين إلى التزام الملاجئ عند الحاجة. في الوقت نفسه، لم تُظهر طهران أيّ إشارة إلى استعدادها للمساومة، أو البحث عن مخارج «تحفظ ماء وجهها» بعد الحرب. وعلى العكس من ذلك، بدا أن ما لم تنجح الحرب في انتزاعه، صار جزءًا من الشرعية الإستراتيجية للبلاد. وفي هذا الإطار، حمل الخطاب الأخير للمرشد الأعلى، علي الخامنئي، رسالة أبعد بكثير من حدود الردّ الكلامي، حين قال في مواجهة تباهي ترامب بتدمير الصناعة النووية: «لا بأس، عش هذا الوهم»، الأمر الذي ظهر بمنزلة إعادة تعريف لمعنى القدرة.

يتعامل القادة الأمنيون في إسرائيل مع مرحلة ما بعد الحرب كمرحلة «عودة محتملة» لا مرحلة «انكفاء نهائي»

ويفسّر هذا التقدير – وهو جوهر العقل الإستراتيجي الإيراني – سبب رفض إيران أيّ معادلة تفاوضية تمسّ أساس المشروع النووي، الذي لم يَعُد يمثّل «ورقة ضغط» أو مجرّد مسار تقني، بل صار ركنًا من أركان الأمن القومي، شأنه شأن السيادة الترابية، وحقّ القرار، ورفض الإملاءات الخارجية؛ وأن القوّة ليست في المفاعل وحده، بل في الشرعية السياسية التي تحميه.

ولذا، لم تظهر في طهران أيّ إشارة تراجُع عن خطوطها السياسية والنووية والصاروخية، ولا سيما أنها صمدت في ظلّ أقصى الضغوط الممكنة، فيما يقول المنطق إن ما فشل العدو في انتزاعه بالقوّة، لا يعود قابلاً للمساومة مستقبلاً. وانطلاقًا من ذلك، تتعامل المؤسسة الأمنية في تل أبيب مع الملفّ النووي باعتباره تهديدًا «قابلاً للإحياء» وليس «للإزالة».

وهكذا، فإن الحديث لم يَعُد يدور حول سؤال: «هل تملك إيران القدرات؟»، بل انتقل إلى ما هو أعمق: «هل يمكننا منعها من إعادة تشغيلها؟»؛ وفي هذا الانتقال يتبدّى جوهر القلق من أن تفقد إسرائيل تدريجيًا حقّ «الفيتو» التاريخي على الملف النووي الإيراني، وإن كانت لا تزال تمتلك القدرة العسكرية على ضرب طهران. وهنا، تبرز أهمية العنصر الثاني الذي يتداخل مع القدرة النووية، وهو الردع الصاروخي، إذ لا تكتفي إيران بتطوير السلاح نفسه، بل تطوّر مظلّته أيضًا.

وفي هذه الحالة، لا يعود البرنامج مشروعاً تقنياً يمكن ضربه من الجو ثم الانتظار لمعاينة النتائج، بل بات محصّناً بمنظومة ردّ ودفاع تجعل الثمن المترتّب على استهدافه أعلى بكثير. ولذلك، أصبح واضحاً لكثير من الخبراء الأمنيين في إسرائيل، أن المشكلة ليست في درجة تخصيب اليورانيوم، بل في معادلة الردع التراكمي التي تجعل أيّ ضربة عسكرية مكلفة سياسيّاً واجتماعيّاً داخل إسرائيل نفسها، ومن دون نتائج حاسمة.

بالنتيجة، لم تعُد تُدار إيران بعقلية الدفاع التكتيكي، بل الامتلاك الطويل الأمد، وهي تتصرّف وفقاً لميزان إرادة طويل النفس، يجعل محاولات تجريدها من قدراتها أشبه بمحاولة تجميد نهر عند منبعه بينما مجراه لا يتوقّف. بتعبير آخر، لم تخرج إيران من الحرب لتبحث عن هدنة تلوذ بها، بل هي تتهيّأ لجولة مقبلة، ومن موقع أكثر مناعة، لأنها تعتبر أن الضربة – على قسوتها – لم تنل من حقّها في القرار. ولذا، يتعامل القادة الأمنيون في إسرائيل مع مرحلة ما بعد الحرب كمرحلة «عودة محتملة» لا مرحلة «انكفاء نهائي»، مع ما يعنيه ذلك من احتمالات تصعيد مفتوحة.

مشاركة المقال: