الخميس, 23 أكتوبر 2025 10:29 PM

مروان شاهين: رائد الإعلام السوري يرحل بصمت تاركاً إرثاً من الإبداع

مروان شاهين: رائد الإعلام السوري يرحل بصمت تاركاً إرثاً من الإبداع

لم يرغب مروان شاهين (1930-2023) في الظهور الإعلامي أو إجراء مقابلات، وقد عبّر عن ذلك عام 2017 خلال تكريمه من قبل مديرية ثقافة دمشق و«نادي شام للقراء». لكنه استجاب بابتسامة لطلبات التقاط الصور معه. يبدو أن رغبته في الابتعاد عن الأضواء ازدادت مع تقدمه في السن، وهو ما تقبله الجميع. رحل شاهين عن عالمنا قبل عامين دون اهتمام إعلامي كبير، مما أعاد إلى الأذهان ذكريات ومواقف وتساؤلات حول المشهد الإعلامي بعد زمن التأسيس الذهبي.

تابع السوريون عام 1960 انطلاقة البث التلفزيوني.. وسمعوا صوت مروان شاهين لأوّل مرة يُعلن «من دمشق.. التلفزيون العربي السوري»

في عام 1960، تابع السوريون انطلاقة البث التلفزيوني وسمعوا صوت مروان شاهين لأول مرة يعلن «من دمشق.. التلفزيون العربي السوري». سرعان ما أصبح شاهين وجهاً معروفاً، فهو أول من قدم نشرة إخبارية سورية. قدم العديد من البرامج وأعدها، بالإضافة إلى اهتماماته الفنية. تميز شاهين بمثابرته وإصراره، مما جعله يترك بصمات واضحة في المناصب التي تقلدها في الإعلام والتعليم والفن. ساهمت الظروف التي مر بها في طفولته في تكوين شخصيته المتميزة، كما ذكر في فيلم «يحدّثونك من القلب»، وهو جزء من سلسلة أفلام وثائقية أعدها الباحث غسان كلاس مع فريق قناة «نور الشام» الفضائية.

يقول شاهين: "أخذني عمي مرة لأشاهد ثوار مدينتنا حمص يقاتلون الفرنسيين، كان عمري 6 سنوات وقتها لكنني لم أنسَ هذا المشهد طوال حياتي، جعلني أشعر بوجود المحتل بيننا، أيضاً ساعدتني البيئة حولي لأفهم أموراً كثيرة، منها علاقتي بأخوالي آل السباعي، أحدهم كان قاضياً ونائباً في المجلس النيابي، ثم صار وزيراً، كنا نشعر معه بما يخوضه سياسياً، الآخر كان أديباً، أما مراد السباعي فكان أكثرهم شهرة، قاصاً ومسرحياً وموسيقياً، تأثرت به، فهو من علمني عزف العود، حتى إنني قلدته وكتبت مسرحية يوم كان عمري 12 سنة، كل هذا عرفني الثقافة والسياسة، عبر هموم الوطن والشأن العام".

قدّم شاهين أول برنامج ظهر على شاشة التلفزيون السوري «هذا الأسبوع» ثم كان له برنامج «ندوة الأسبوع»

درس شاهين الفلسفة وتتلمذ على يد أساتذة كبار مثل أمجد الطرابلسي وسعيد الأفغاني وعادل عوا وبديع الكسم، وكان أكثرهم تأثيراً فيه عبد الكريم اليافي. دخل شاهين الإذاعة عن طريق مسابقة مخصصة لأصحاب الشهادات العليا، ولم يكن العمل الإعلامي في ذهنه. ويضيف عن مشواره: "نُدبت للتلفزيون المصري بداية، وكانت التحضيرات جارية لنظيره السوري، كان هذا مذهلاً في تلك الأيام، ومع قرب الافتتاح، أُرسلت إلى دمشق، وهيأ لنا مدير الإدارة في تلك المرحلة تيسير الحلبي مبنى في الأزبكية، كنا مضطرين للإقلاع بالبث يوم 23 تموز 1960. التقيت مع الأستاذ صباح قباني هناك أول مرة، حيث اختير مديراً للتلفزيون مع إنشائه، وأرادني أن أكون أول مذيع للأخبار، عملنا كثيراً حينذاك، وكان الأهم تدريب الموظفين الجدد".

قدم شاهين أول برنامج على شاشة التلفزيون السوري «هذا الأسبوع»، وهو برنامج ثقافي متنوع، ثم برنامج «ندوة الأسبوع» الذي استضاف فيه الأدباء والمثقفين. كما قدم زملاؤه برامج أخرى مثل «البيت السعيد» للمذيعة ناديا الغزي.

من أهم المقابلات التي أجراها شاهين خلال مشواره حواره مع بشارة الخوري «الأخطل الصغير» في منتصف الستينيات

من أهم المقابلات التي أجراها شاهين خلال مسيرته حواره مع بشارة الخوري «الأخطل الصغير» في منتصف الستينيات. يقول أيضاً عن تلك الفترة: "أذكر النشاطات الأولى للثنائي “دريد ونهاد” في الاستديو الصغير، كنا نحب العمل، يمكنني القول: إن سبب ذلك النجاح كان الراحل صباح قباني، لم يكن للتلفزيون أن ينجح في تلك الفترة، بوجود رجل غيره، فهو صاحب خبرات متنوعة وثقافة كبيرة ساعدته ليضع الرجل المناسب في مكانه". وفي فترة لاحقة، تولى شاهين إدارة معهد الإعداد الإعلامي وإدارة مكتب وكالة الأنباء السورية “سانا” في روما، بتكليف من وزير الإعلام الراحل أحمد اسكندر أحمد.

تشكيلياً، استفاد شاهين من قراءاته عن الفنانين التشكيليين الكبار وتأثر بـ«فان غوخ». برع في رسم البورتريه واستخدم الزيت والمائية والباستيل. ساعده في إبداعاته مخزون معرفي وإحساس بعلم الجمال وتاريخ الفن. كان التشكيل هاجسه لفترة طويلة، حتى إنه اعتبره قاسماً مشتركاً سبق أحياناً انشغالاته الأخرى. كان معرضه الأول عام 1961 برعاية وزارة الثقافة، والثاني 1962 برعاية خالد بك العضم. يقول شاهين: "أذكر أنني زرته وعرضت عليه فكرة إقامة معرض برعايته، قال لي: «أعرف أنك تعمل في التلفزيون لكن فنياً!»، أظنه كان متردداً بالنسبة لمستوى عملي، وقبل أن يجيبني اتصل بـمدير الآثار سليم عادل عبد الحق، سأله عني فزكّاني وعدّني بمنزلة ميشيل كرشة، ما شجعه على رعاية معرضي، وأوصاني أن اختار صالة للعرض من دون درج، كي يستطيع الحضور، وفي الافتتاح كتب لي: “أعجبني المعرض بما فيه من بدائع لكنني شخصياً أحب الكلاسيكي، الفن قد لا يتقبله زمن ما، ربما تتقبله أجيال أخرى، وكان معرضي الثالث عام 1966 في الكونغو، حيث عملت مدرساً للفلسفة، لفتت نظري الألوان والطبيعة هناك، فرسمت أجمل لوحاتي".

مشاركة المقال: