غسان القيم – كانت الليلة الأخيرة من العرس في الريف الساحلي السوري تجسد أصدق المشاعر، حيث يختلط الفرح بالحنين. فبعد أيام من الأهازيج والزغاريد، يحل المساء الذي تختبر فيه قلوب الأمهات والجدات، حين تدرك الأم أن ابنتها، التي ربتها بعناية، ستغادر بيتها إلى حياة جديدة.
في هذه الليلة، يسهر الجميع، وتظل الأنوار مشتعلة، ويتبادل الحضور القصص والضحكات، بينما تخفي القلوب دموع الوداع. تجلس الأم بجوار ابنتها العروس، تمشط شعرها للمرة الأخيرة، وتضع وشاحها الأبيض، وتهمس بدعوات السعادة والتوفيق.
وبين الحين والآخر، تتعالى الزغاريد الممزوجة بالشجن، وكأن الفرح ينازع دمعة الوداع. وفي الصباح الباكر، يبدأ تجهيز "صندوق العروس"، الصندوق الخشبي الذي يحوي أثمن ممتلكاتها: ثيابها المطرزة، وحليها، وعطرها القديم، وذكريات لا تقدر بثمن.
يحمل الرجال الصندوق على أكتافهم وسط الزغاريد، وتغني النسوة بصوت دافئ حنون أغاني الفرح والوداع. كانت الأغاني تخفف من ألم الفراق، فالغناء في الريف دواء للقلوب.
تخرج العروس من بيتها مزينة بالورد والغار، ووجهها مغطى بالطرحة البيضاء، ويديها تفوحان بعطر الحناء. تسير ببطء وسط الموكب، وأمها تراقبها من عتبة الدار، تمسح دموعها بطرف منديلها المطرز.
تتقدم النسوة وهن يرددن الأهازيج، بينما يستقبل الرجال الموكب بالطلقات في الهواء، فيتردد الصدى بين الجبال. وعندما تصل العروس إلى بيتها الجديد، تدخل بخطوة خجولة، وتنثر عليها حبوب القمح والملح، وتكسر الرمانة على الباب تفاؤلا بالخصب والبركة.
في تلك اللحظة، تجف دمعة الأم شيئا فشيئا، إذ تعلم أن ابنتها انتقلت إلى بيت الزوجية. الفرح يملأ الدار، لكن شيئا من الحنين يبقى معلقا في الزوايا. وفي الليل، تجلس الأم قرب الموقد، تتأمل النار، وتهمس بدعوات التوفيق لابنتها.
هكذا كان وداع العروس في الريف الساحلي السوري مزيجا من الفرح والحنين، ومن الزغاريد والدموع. رحلت العروس، لكن بقيت الأغاني وبقيت دعوات الأمهات تسافر عبر الأجيال.
(أخبار سوريا الوطن 1-عاشق اوغاريت.. غسان القيم..)