السبت, 25 أكتوبر 2025 11:35 PM

نيويورك تايمز تكشف: الأهداف الخفية وراء حرب ترامب على قوارب المخدرات في أمريكا اللاتينية

نيويورك تايمز تكشف: الأهداف الخفية وراء حرب ترامب على قوارب المخدرات في أمريكا اللاتينية

في خريف عام 2025، وخلال الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، شهدت السياسة الخارجية تحولاً ملحوظاً أعاد إلى الأذهان التدخلات الأميركية السابقة في أمريكا الجنوبية، وفقاً لتقارير إعلامية أميركية.

خلال أسابيع قليلة، نفذت القوات الأميركية سلسلة من الضربات الجوية ضد ما وصفته الإدارة بـ "قوارب المخدرات" في البحر الكاريبي والمحيط الهادي، مما أدى إلى مقتل العشرات.

وصفت واشنطن هذه العمليات بأنها "حرب استباقية ضد تجار الموت" الذين، بحسب ترامب، يتسببون في مقتل أكثر من 25 ألف أميركي سنوياً.

وقد استحوذت هذه الحرب على اهتمام مجلة فورين بوليسي وصحيفة نيويورك تايمز، اللتين نشرتا مقالين تحليليين، الأول للكاتب جون هالتيفانغر، أستاذ الاقتصاد في جامعة ميريلاند، والآخر لجميل جعفر، المدير التنفيذي لمعهد "نايت للتعديل الأول" المعني بحرية التعبير في جامعة كولومبيا.

يشير هالتيفانغر في تحليله إلى أن هذه العمليات، التي نُفذت دون تفويض من الكونغرس أو إشعار مسبق للحلفاء، تمثل خرقاً لوعد ترامب الانتخابي بعدم خوض "حروب جديدة".

ويرى أن الهدف الحقيقي قد يتجاوز مكافحة المخدرات، ليتصل برغبة قديمة لدى الرئيس ووزير خارجيته ماركو روبيو في الإطاحة بنظام الرئيس نيكولاس مادورو في فنزويلا، حيث تعتبر واشنطن الحكومة الاشتراكية في كراكاس مصدراً لزعزعة الاستقرار في المنطقة ورمزاً لتحدي النفوذ الأميركي.

ويضيف هالتيفانغر أن الضربات البحرية جاءت في لحظة سياسية حساسة، إذ تواجه إدارة ترامب انتقادات داخلية بشأن أدائها الاقتصادي وملفات الفساد، مما يجعل الحملة "محاولة لتحويل الأنظار وإظهار الحزم الخارجي" حتى لو كان الثمن تصعيداً عسكرياً غير معلن.

لكن الحملة أثارت جدلاً واسعاً في واشنطن، حيث فشل الديمقراطيون في مجلس الشيوخ بفارق ضئيل في تمرير قرار بموجب "قانون صلاحيات الحرب" لوقف العمليات، بينما وصفت منظمات حقوقية، من بينها فريق من محققي الأمم المتحدة، الهجمات بأنها عمليات قتل خارج القانون.

ويواصل الصحفي تحليله مبيناً أن ترامب يستند في تبرير عملياته إلى المادة الثانية من الدستور الأميركي التي تمنح الرئيس سلطة حماية الأمن القومي، موضحاً أن عصابات المخدرات في أميركا اللاتينية، التي صنفتها إدارته منظمات إرهابية، تمثل تهديداً على البلاد.

لكن هالتيفانغر يوضح أن الكونغرس لم يعلن حالة الحرب ضد تلك العصابات، كما أن القانون الدولي لا يعترف بأن تجارة المخدرات تُعد هجوماً مسلحاً يبرر استخدام القوة المميتة.

ووفقاً للكاتب، فإن فنزويلا ليست مصدراً رئيسياً لمادة الفنتانيل المخدرة التي تفتك بالأميركيين، وأن الضربات الجوية في البحر الكاريبي عديمة القيمة الإستراتيجية في سياق مكافحة المخدرات.

ويوضح أستاذ الاقتصاد أن تدمير القوارب من الجو بدلاً من اعتراضها عبر خفر السواحل يؤدي إلى طمس الأدلة، مما يغذي الشكوك بأن الحملة تخدم أهدافاً جيوسياسية أكثر منها قانونية.

ويستشهد بتصريح لفاندا فيلباب براون من معهد بروكينغز بأن هذا "الفراغ القانوني" قد يمهد لتوسيع استخدام القوة العسكرية بذريعة مكافحة المخدرات حتى داخل الأراضي الأميركية.

كما يرى كينيث روبرتس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كورنيل، أن ترامب بمزجه بين "الإرهاب والمخدرات" قد دمج منطق الحرب على الإرهاب في الحرب على المخدرات، مانحاً نفسه صلاحيات شبه مطلقة متجاوزاً الكونغرس والرقابة القضائية.

ويعرّج هالتيفانغر لتحليل حملة ترامب من زاوية بُعدها الجيوسياسي الأوسع، مذكراً بتاريخ التدخل الأميركي في أميركا اللاتينية تحت ذرائع شتى، لافتاً إلى أن لغة الرئيس وأسلوبه يعيدان إحياء عقيدة مونرو التي تعتبر نصف الكرة الغربي مجال نفوذ أميركي حصري.

ويعتبر هالتيفانغر أن هذا التفكير المتجذر في ذهنية الحرب الباردة قد يشعل التوتر مع دول المنطقة ويفتح الباب أمام نفوذ قوى منافسة، مثل الصين.

ويزعم أن تداعيات هذه النظرة بدأت تظهر بالفعل، مشيراً إلى حادثة مقتل صياد كولومبي خلال إحدى الضربات في سبتمبر/أيلول الماضي التي تسببت بأزمة دبلوماسية بعدما رد ترامب باتهام الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بأنه "زعيم مخدرات غير شرعي".

وفي مقاله بصحيفة نيويورك تايمز، يتناول الحقوقي جميل جعفر البعد القانوني لحملة ترامب على المخدرات، كاشفاً أن مكتب الاستشارات القانونية في وزارة العدل الأميركية أصدر رأياً سرياً يعتبر الضربات ضد قوارب المخدرات قانونية، لكن مضمون هذا الرأي لم يُكشف للرأي العام.

ويرى جعفر أن هذا التكتم يعيد إنتاج مناخ ما بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، حين استخدم البيت الأبيض مذكرات مماثلة لتبرير التعذيب والتنصت والاغتيالات المستهدفة بذريعة الأمن القومي.

ويعيد الكاتب إلى الأذهان أن المكتب نفسه هو من منح الرئيس جورج بوش الابن غطاء قانونياً لبرامج التعذيب في سجون وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، كما أقر للرئيس باراك أوباما بجواز قتل مواطنين أميركيين يشتبه في صلتهم بالإرهاب دون محاكمة.

ويؤكد جعفر أن الخطر الحقيقي يكمن في تركيز السلطة التنفيذية بيد الرئيس تحت غطاء الأمن القومي، فبشن عمليات مميتة دون شفافية أو رقابة أو أدلة تتجاوز إدارة ترامب الضوابط الدستورية التي تضمن التوازن بين السلطات.

ويطالب المحاكم الأميركية بإجبار وزارة العدل على نشر المذكرة القانونية فورا، قبل أن تتحول إلى مجرد أثر تاريخي بدلا من أداة مساءلة.

ويخلص كل من هالتيفانغر وجعفر إلى أن ما يحدث يمثل تداخلا خطيرا بين القوة العسكرية والسرية القانونية، فالحملة البحرية تجسد تحولا مقلقا في السياسة الأميركية تتجلى في حرب بلا إعلان، وعدالة بلا محاكمة، وقانون يُفصّل على مقاس السلطة لا لردعها.

وتحذر فيلباب براون الباحثة في معهد بروكينغز من أن مثل هذه العمليات لن تقلص حجم تجارة المخدرات بقدر ما تعيد تشكيل مفهوم الحرب ذاته.

مشاركة المقال: