بعد سنوات من التهجير والاشتباكات العنيفة بالقرب من مطار منغ العسكري، تحاول قرية مرعناز النهوض من جديد. الحياة تعود تدريجياً، ولكن بحذر، محملة بذاكرة الحرب، مع عودة بعض العائلات بينما لا يزال معظم السكان نازحين في مناطق إعزاز ومخيم باب السلامة.
عودة بعد سنوات من التهجير: يقول أبو علي المرعنازي، وهو من أوائل العائدين، لموقع سوريا 24: "كانت عودتي إلى منزلي بمثابة رد الروح إلى الجسد". ويضيف أنه لم يعد قادراً على تحمل إيجار منزله في إعزاز، مما جعل العودة إلى الديار الخيار الوحيد الممكن. يتذكر أبو علي كيف بدأ الترميم بموارد محدودة، قائلاً: "استعنت بصديقي الذي أقرضني جزءاً من المال، وبلغت تكاليف الترميم حوالي 3 آلاف دولار". ورغم صعوبة التجربة، يعتبرها الأجمل لأنها أعادت إليه منزله. لكنه يشتكي من غياب الدعم: "لم نتلق أي مساعدة حتى الآن، ونعتمد على شراء الماء واستخدام ألواح الطاقة الشمسية بدلاً من الكهرباء، وشبكة الصرف تعمل بشكل مؤقت مع مخاوف من توقفها". ويختتم حديثه بأمل: "نأمل أن ترمم المدارس والجوامع وأن تعود الخدمات تدريجياً، فالحياة بلا تعليم ولا مسجد ولا ماء كأنها بلا روح".
حنين أقوى من الأمل: قصة أبو محمود العائد حديثاً لا تختلف كثيراً، إذ يقول بأسى: "البيوت بلا نوافذ، الجدران مثقوبة، الأرض مليئة بالمخلفات، لكننا عدنا لأن الغربة أقسى". يتذكر أيام قريته قبل الحرب: "كانت مرعناز مزدهرة بالزيتون والقمح. اليوم لا ماء ولا شجر ولا حياة".
مرعناز خلال سنوات الحرب: شهدت مرعناز تبدلاً في السيطرة ودماراً واسعاً في البنية التحتية بسبب موقعها القريب من مطار منغ العسكري، حيث كانت على تماس مباشر مع خطوط القتال بين فصائل المعارضة وقوات النظام منذ عام 2012، ثم بين الفصائل المحلية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). في فبراير/شباط 2016، سيطرت قسد على المطار والقرى المحيطة، بما في ذلك مرعناز، بعد معارك عنيفة أدت إلى نزوح السكان وتحويل البلدة إلى منطقة عسكرية مغلقة. أصبحت مرعناز جزءاً من جيب تل رفعت الخاضع لسيطرة قسد، وتعرضت لقصف متكرر واشتباكات، مما أدى إلى تدمير شبه كامل للبنية التحتية والمنازل. استمر هذا الوضع حتى ديسمبر/كانون الأول 2024، حين انسحبت قوات قسد بعد أسابيع من سقوط نظام الأسد وتغير موازين السيطرة شمال سوريا.
المجلس المحلي: دمار شامل وخدمات غائبة: يقول حسين الحسن، المكلف بتسيير أمور قرية مرعناز، إن الدمار واسع وشامل: "القرية كانت على خط الجبهة لسنوات، قرب مطار منغ، وتعرضت لقصف متكرر دمر معظم المنازل والمنشآت الخدمية". وبحسب الحسن، بلغ عدد المنازل المدمرة بالكامل 110 منازل، فيما تضررت أكثر من 80 منزلاً جزئياً بنسبة تتراوح بين 25% و60%. ويشير إلى أن "الكثير من أصحاب هذه البيوت فقدوا أقاربهم أو يعانون من إعاقات دائمة". يوضح الحسن أن "المدرستان في القرية خارج الخدمة، إحداهما مدمرة بالكامل والأخرى تحتاج إلى ترميم شامل". ويضيف أن "المساجد مهدّمة تماماً، وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق غير صالحة للاستعمال". ويتابع: "شبكة الأنفاق تحت الأرض متضررة بشكل كبير، وتحتاج إلى مبالغ تتراوح بين 20 و50 ألف دولار لإصلاحها"، مشيراً إلى أن القرية ما زالت مليئة بالألغام، مما يجعل العودة شبه مستحيلة. ويشدد على أن "الخدمات الأساسية غائبة بالكامل، المدارس مغلقة، الجوامع خاوية، لا مياه جارية ولا كهرباء ولا طرق صالحة"، وأن "بعض الرجال عادوا فقط لترميم منازلهم أو لحراسة ممتلكاتهم، بينما بقيت عائلاتهم في مناطق النزوح خوفاً من الألغام". ويختتم قائلاً: "من دون مشاريع ترميم وإزالة ألغام، لن تكون هناك عودة حقيقية. الأهالي فعلوا ما بوسعهم، لكنهم بحاجة إلى دعم حقيقي".
الأمل يسكن بين الأنقاض: رغم الخراب، لم تفقد مرعناز صوتها، وتعيش اليوم على الأمل أكثر من الخدمات. العودة المحدودة للأهالي شهادة على تمسكهم بأرضهم وإصرارهم على استعادة حياة فقدوها بين الحرب والنزوح. في وجوه العائدين تعب، وفي كلماتهم إصرار، ورسالتهم واحدة: "صحيح أن المنازل هُدّمت، والأراضي اقتُلعت، وذهبت الأملاك… لكن الوطن عاد إلينا من جديد".