الثلاثاء, 28 أكتوبر 2025 03:23 AM

التكية السليمانية في دمشق: صراع على الإرث بين الترميم والاستيلاء

التكية السليمانية في دمشق: صراع على الإرث بين الترميم والاستيلاء

تُعتبر التكية السليمانية في دمشق جوهرة تاريخية وأثرية في سوريا، تعود جذورها إلى الحقبة العثمانية. لكن هذه التحفة المعمارية تقف اليوم في خضم جدل محتدم بين دعوات ترميمها والحفاظ على أصالتها، وبين اتهامات بتشويهها والاستيلاء عليها من قبل أصحاب النفوذ.

التكية السليمانية.. لمحة تاريخية

يرجع تاريخ التكية السليمانية إلى العصر العثماني، حيث أمر السلطان سليمان القانوني بتشييدها عام 1554 في الموقع الذي كان يشغله قصر الظاهر بيبرس، المعروف بـ "قصر الأبلق". قام بتصميم هذا البناء المعماري العثماني الشهير سنان، وأشرف على تنفيذه المهندس ملا آغا في عهد الوالي خضر باشا، بينما بُنيت المدرسة الملحقة بالتكية عام 1566 في عهد الوالي لالا مصطفى باشا.

تمتد التكية على مساحة 11 ألف متر مربع، وتنقسم إلى قسمين: التكية الكبرى، التي تضم مسجدًا ومدرسة، والتكية الصغرى، التي تحتوي على حرم للصلاة وساحة واسعة تحيط بها أروقة وغرف تعلوها القباب، وكانت ملاذًا للغرباء وطلاب العلم والفقراء. وفي عام 1970، خُصصت التكية الصغرى لإقامة سوق للمهن اليدوية والأنتيكا، ومُنح الحرفيون محالها بأجور رمزية، لتضم معمل الزجاج اليدوي، وورشًا لصناعة الموزاييك والفضة والذهب والحلي، وحياكة حرير البروكار.

عمليات الإخلاء وتهجير الحرفيين

في عام 2019، أعلنت المديرية العامة للآثار والمتاحف عن عزمها إعادة تأهيل التكية السليمانية، مما أدى إلى إغلاق 40 متجرًا من جهة بابها المطل على المتحف الحربي. واشتدت الحملة مع توجيه إنذارات بإخلاء المحال في أكتوبر 2022، ونُفذ قرار الإخلاء بشكل نهائي في مطلع عام 2023، حيث شوهد الحرفيون وهم يحزمون بضائعهم وسط حالة من الحزن والقهر.

التهجير إلى ضواحي بعيدة

أوضح الحرفي محمود العطري أنه تم نقل ما بين 40 و70 حرفيًا من التكية الصغرى إلى "الحاضنة الثقافية" في منطقة دمر، وهي منطقة بعيدة عن المركز السياحي، مما أدى إلى عزلهم عن بيئتهم التاريخية وعن المقاصد السياحية الأثرية. وأضاف: كما تم إلغاء عقود الإيجار الرمزية، حيث ألغت وزارة السياحة التابعة للنظام البائد عقود الاستثمار مع الشاغلين في نهاية عام 2022، وهي عقود كانت تمنح المحال بأجور رمزية لدعم الحرف التراثية، وتحول الحرفيون إلى موظفين. وأشار إلى أنه سمع من بعض الحرفيين أن الأمانة السورية للتنمية أجرت المحال التاريخية لمقربين من السلطة، مثل زوجات وبنات ضباط في جيش النظام، وتحول الحرفيون الأصليون من مستأجرين إلى مجرد موظفين يبيعون في محالهم القديمة.

الاستيلاء على التكية وتغيير هويتها

أشار العطري إلى أنه بعد إخلاء الحرفيين، دخل متجر "أبهة" الفاخر -وهو أحد برامج ومؤسسات الأمانة السورية للتنمية- ليحل محل أعمال الحرفيين التقليدية. وتمثل "أبهة" إحدى العلامات التجارية التي أطلقتها الأمانة، مثل "أزرق" و"ورق من دمشق"، بهدف جمع أكبر عدد من الحرفيين وتحويلهم إلى موظفين يعملون لصالح شركة الحرف التابعة لها.

تغيير طابع المكان وخصوصيته

من جانبه، أوضح الدكتور عمار عبد الرحيم، الباحث في التاريخ، أن أعمال ترميم التكية التي بدأت فيها وزارة السياحة قبل سقوط النظام البائد تنفذها شركة "دياري"، الذراع العقاري التابع للأمانة السورية للتنمية، وكان من المقرر أن تشمل تغييرات جذرية في طابع التكية وخصوصيتها.

حيث يتضمن المشروع

  • إنشاء مرأب للسيارات من جهة حي الحلبوني.
  • تخصيص مساحات لألعاب الأطفال وتصاميم لشلالات مياه بداخلها، إضافة إلى إعادة تأهيل الخدمات من صرف صحي وكهرباء ورصف أرضية.

بعد فترة من عمليات الترميم، أطلق نشطاء وسوريون على مواقع التواصل الاجتماعي حملات واحتجاجات واسعة، مثل وسم "التكية السليمانية في خطر.. دمشق لن تغفر لكم"، ومجموعة "معاً لحماية التكية السليمانية" التي انضم إليها آلاف الأشخاص خلال أيام.

اليوم، بعد مرور قرابة عام على سقوط نظام الأسد وبعد انتصار الثورة السورية، فقد سحبت القيادة الجديدة المشروع الاستثماري الكارثي المنفّذ في التكية السليمانية من (الأمانة السورية للتنمية) التي حلّتها في 25 كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي، وكلّفت "المديريّة العامّة للآثار والمتاحف" لجنة مختصّة بتقديم تقييم للأعمال التي أنجزت وتقديم المقترحات التي تراها مناسبة لجهة الإشراف ألا وهي وزارة الأوقاف لتأخذ الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على هذا المعلم الأثري العائد إلى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي.

وفي الشهر الأوّل من العام الحالي، نظّمت فرق من الدفاع المدني أو ما يعرف بـ "الخوذ البيضاء" بالتعاون مع أهالي المنطقة حملة تحت عنوان "رجعنا يا شام" تهدف إلى إعادة الروح إلى نهر بردى والتكية السليمانية وكلّ الأماكن الأثرية والتاريخية الحضارية المحيطة بهما وتحسين المظهر العامّ للعاصمة السورية دمشق.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: