استضاف المركز الثقافي العربي في المزة محاضرة بعنوان "نوادر ظرفاء دمشق"، قدمها الباحث التراثي والثقافي مازن ستوت. استعرض ستوت خلال المحاضرة أبرز الملامح التي تميزت بها دمشق في مراحل تاريخية معينة، حيث كانت النكات والذكاء الاجتماعي حاضرة بقوة، مع التركيز على الشخصيات البارزة التي اشتهرت في هذا المجال.
بدأ ستوت محاضرته بالحديث عن بدايات توثيق أسماء وحكايات هؤلاء الظرفاء، والتي تعود إلى فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، مشيراً إلى أن الأديب فخري البارودي كان من أوائل هؤلاء، حيث جعل من منزله ملتقى للتبادل الثقافي والفكري. كما تناول شخصية نجاة قصاب حسن، الذي جمع بين العديد من الصفات الحميدة والفنون، وكان شخصية مخضرمة في عالم الثقافة والفن، وهو ما يتجلى في كتابه "حديث دمشقي".
وذكر أيضاً الأديب حبيب كحالة، الذي تميز بدعابته الممزوجة بالسخرية الهادفة، مما جعله يخلق لنفسه أسلوباً فريداً. بالإضافة إلى حسني تللو، الذي كان يعتبر أظرف أبناء جيله، والذي كان يحرص على إضفاء الروح الدمشقية الأصيلة على كل ما يتحدث به. وأشار ستوت إلى أن هؤلاء الأشخاص جمعوا بين خفة الظل والذكاء الاجتماعي في مجالسهم، مما أدى إلى خلق لحظات مبهجة ومضحكة.
وأوضح ستوت أن الضحكة وروح الفكاهة قد غابتا إلى حد كبير عن مجتمعاتنا، بعد أن أصبح تأمين لقمة العيش هو الشغل الشاغل للجميع، وهو وضع أرساه النظام البائد، مؤكداً أن الفكاهة تعكس وعياً ثقافياً وفكرياً ومجتمعياً، وليست مجرد وسيلة للتسلية. وكشف ستوت عن بعض الصور التي تجسد سهرات الظرفاء ومساجلاتهم الأدبية، والعديد من اللحظات الممتعة والترفيهية التي كانوا يخلقونها في المجالس التي يحضرونها، موضحاً أن هذه اللقاءات لم تكن مقتصرة على الضحك والنكات، بل كانت أيضاً منبراً ثقافياً وفكرياً وتنويرياً، يجمع الأدباء والمثقفين والصحفيين والفنانين والسياسيين.
وأكد أن الشخص الظريف ليس مجرد شخص يثير الضحك، بل هو شخص نبيه وحاذق التفكير، قادر على إطلاق طرفة مناسبة في كل لحظة، بحيث تتلاءم مع طبيعة الموقف الراهن، مشيراً إلى أن معظم مبدعي الكوميديا في العالم العربي هم في الأساس كتاب سيناريو وممثلون. واعتبر أن قدرة الشخص الظريف على رواية النكات والطرائف ببراعة، دون أن يظهر عليه أي تأثر، هي أمر مدهش، وأنه يتميز بقدرة فريدة على إعادة صياغة الطرائف وإضفاء لمسة جمالية عليها، تجعل المتلقي يستمتع بأسلوب الإلقاء.