السبت, 1 نوفمبر 2025 12:11 AM

الليرة السورية تواصل التدهور: هل تنجح محاولات المركزي في كبح جماح الدولار؟

الليرة السورية تواصل التدهور: هل تنجح محاولات المركزي في كبح جماح الدولار؟

يمر الاقتصاد السوري بمرحلة حرجة تتسم بتقلبات حادة في سعر الصرف، حيث تواصل الليرة السورية انخفاضها أمام العملات الأجنبية، متجاوزة حاجز الـ 12000 ليرة للدولار الأمريكي الواحد. يرى الدكتور عبد الرحمن محمد، أستاذ التمويل والمصارف في كلية الاقتصاد بجامعة حماة، أن هذا التدهور يعكس أزمة اقتصادية عميقة تعصف بالبلاد نتيجة عوامل متعددة، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية، وتراجع الإنتاج المحلي، والسياسات النقدية والمالية غير الفعالة.

وأوضح محمد أن هذه التطورات تثير تساؤلات مهمة حول العلاقة بين سعر الصرف الحالي والعرض والطلب الحقيقي، والأسباب الكامنة وراء استمرار انخفاض العملة، وتأثير ذلك على الاقتصاد المحلي ومستوى معيشة المواطنين.

السعر الحالي لا يعكس توازناً حقيقياً

أشار محمد إلى أن المستويات الحالية لسعر الصرف لا تعكس توازناً حقيقياً بين العرض والطلب في السوق، موضحاً أن محاولات البنك المركزي السوري لتقييد السيولة النقدية من خلال رفع أسعار الفائدة أو تنظيم الحوالات لم تنجح في تحقيق استقرار فعلي. وأرجع ذلك إلى غياب الثقة بالعملة المحلية نتيجة سنوات من التدهور الاقتصادي، وزيادة الطلب على الدولار لتمويل الواردات الأساسية، بالإضافة إلى نشاط المضاربات في السوق الموازية وضعف أدوات البنك المركزي للتدخل الفعال.

وأكد أن الارتفاع الأخير في سعر الصرف "مبالغ فيه إلى حد كبير"، ولا يستند إلى عوامل اقتصادية منطقية بقدر ما يعكس حالة من الذعر الاقتصادي وفقدان الثقة.

العوامل الجوهرية وراء استمرار التراجع

أوضح محمد أن استمرار تراجع الليرة يعود إلى عدة أسباب هيكلية، في مقدمتها العقوبات الاقتصادية التي تعيق تدفق العملات الأجنبية، وضعف الإنتاج المحلي الذي زاد الاعتماد على الاستيراد، فضلاً عن زيادة المعروض النقدي نتيجة الطباعة غير المنضبطة، والأزمة اللبنانية التي أثرت سلباً على تدفق الأموال إلى سوريا. وأضاف أن غياب الإصلاحات الاقتصادية الحقيقية فاقم من عمق الأزمة، مشيراً إلى أن تصريحات الحاكم حول "استبدال العملة" قد تكون محاولة لتهدئة السوق لكنها لا تعالج الأسباب الجذرية، بل ربما تزيد من الاضطراب إذا لم تُنفذ ضمن خطة مدروسة وواضحة.

تأثيرات مباشرة على الأسعار والمعيشة

أوضح محمد أن التقلبات في سعر الصرف تنعكس مباشرة على الأسعار ومستوى المعيشة، حيث يؤدي انخفاض قيمة الليرة إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد، مما يرفع أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والمحروقات، ويضعف القدرة الشرائية للأجور والمدخرات بالليرة السورية. وأشار إلى أن هذا الواقع يؤدي بدوره إلى ارتفاع معدلات الفقر وتآكل الطبقة الوسطى، مؤكداً أن كل تغير في سعر الصرف ينعكس فوراً على الأسواق المحلية.

أدوات المركزي… والفاعلية المشروطة

أشار محمد إلى أن أدوات المصرف المركزي لضبط التضخم متعددة، منها رفع أسعار الفائدة لجذب الادخار بالليرة السورية، وضبط السيولة عبر ترشيد الطباعة والإنفاق، وتعزيز الاحتياطيات الأجنبية عبر دعم الصادرات، إلى جانب إصلاحات اقتصادية شاملة لتحسين بيئة الاستثمار وتقوية القطاعات الإنتاجية. لكنه شدد على أن فعالية هذه الأدوات "تبقى مشروطة بوجود استقرار سياسي واقتصادي"، وهو ما تفتقر إليه سوريا في الوقت الراهن.

خلاصة الرأي الأكاديمي

يرى محمد أن استمرار تدهور الليرة السورية يعكس أزمة اقتصادية هيكلية لا يمكن معالجتها بإجراءات مؤقتة أو جزئية، بل تحتاج إلى إصلاحات جذرية وشاملة تعيد بناء الثقة بالاقتصاد السوري وتؤسس لسياسات نقدية فعالة. وأكد أن تحسين سعر الصرف واستقرار العملة يتطلبان بيئة سياسية مستقرة، ورفع العقوبات الاقتصادية، وتعزيز الإنتاج المحلي. وختم بالقول إن "الليرة السورية ستظل عرضة للتقلبات ما لم يتم إعادة الاعتبار لدور الإنتاج والإصلاح المؤسسي، فبدون ذلك سيبقى المواطن هو المتضرر الأول من هذه الدوامة الاقتصادية".

محمد راكان مصطفى

مشاركة المقال: