في خطوة وُصفت بالحاسمة والجريئة، قررت الجزائر إعادة العمل بعقوبة الإعدام بعد تجميد دام أكثر من ثلاثة عقود. يهدف هذا القرار إلى تطبيق العقوبة على الجرائم الخطيرة المنصوص عليها في قانون العقوبات، وعلى رأسها قضايا اختطاف الأطفال وترويج المخدرات في الأوساط المدرسية.
أعلن النائب العام لدى مجلس قضاء بجاية، شرقي الجزائر، عن هذا القرار خلال افتتاح السنة القضائية، مؤكدًا أن "تنفيذ عقوبة الإعدام، التي عُلّقت سنة 1993، سيعود في إطار سياسة جديدة لمواجهة الانفلات الإجرامي وردع مرتكبي الجرائم التي تهدد أمن الأطفال والمجتمع".
وكان وزير العدل لطفي بو جمعة قد أكد أن "الردع القانوني أصبح ضرورة وطنية لحماية المجتمع من الظواهر التي باتت تأخذ أبعادًا مقلقة".
أثار قرار تطبيق عقوبة الإعدام نقاشًا قانونيًا وأخلاقيًا واسعًا، خاصةً أنه جاء استجابةً لمطالب متزايدة من الشارع الجزائري وأعضاء البرلمان، الذين أعربوا مرارًا عن قلقهم إزاء تفشي الجرائم المروعة التي هزت الرأي العام في السنوات الأخيرة.
أوضحت المحامية فاطمة الزهراء توبيدة لـ"النهار" أن "قرار استئناف تنفيذ عقوبة الإعدام يُعدّ تحركًا حازمًا في مواجهة موجة الجرائم التي أصبحت تهدد كيان الأسرة الجزائرية ونسيج المجتمع". وأشارت إلى "ارتفاع مهول سُجّل خلال السنوات الأخيرة في عدد القضايا المرتبطة بالمخدرات والحبوب المهلوسة وترويجها بين الشباب والمراهقين، وخاصة في الأوساط المدرسية"، مضيفةً أن "جرائم اختطاف الأطفال أضحت هاجسًا حقيقيًا للعائلات الجزائرية، ما يستدعي إجراءات صارمة تُعيد الهيبة للقانون وتردع الجناة قبل ارتكابهم الجرائم".
وأضافت توبيدة أن "إعادة العمل بعقوبة الإعدام لن تكون فقط وسيلةً عقابية، بل خطوةً لإعادة التوازن بين العدالة والردع، وبين حماية حقوق الإنسان وحق المجتمع في الأمان"، مشيرةً إلى أن "العقوبة ستُشعر المجرم بأن يد الدولة لا تتهاون أمام من يعبث بأمن المواطنين ومستقبل الأجيال".
من جهته، حذّر الخبير في شؤون التربية والتعليم عومر بن عودة من تصاعد ظاهرة تعاطي وترويج المخدرات داخل الوسط المدرسي في الجزائر، معتبرًا أنها "ناقوس خطر يدقّ أبواب المدرسة الجزائرية". وأوضح بن عودة، في حديث مع "النهار"، أن "البيئة المدرسية في الجزائر تواجه اليوم تحدّيات كبيرة، أبرزها انتشار المخدرات بين التلاميذ في أعمار مبكرة، إذ أضحت خطرًا تربويًا وصحيًا واجتماعيًا بالغًا عليهم".
وأضاف أن "الظاهرة تشهد منحى تصاعديًا مقلقًا مثلما هي في باقي دول العالم، ما يستدعي استنفار كل الجهود الرسمية لمواجهتها"، مؤكدًا أن "الجزائر تبذل جهودًا ملموسة لمكافحة الظاهرة من خلال سنّ قوانين صارمة ضد المروّجين، وتفعيل عقوبات ردعيّة بحقّ مرتكبيها، وهو ما يعكس إرادة سياسية حازمة لمواجهة تصاعد الجريمة وإعادة الاعتبار لهيبة القانون"، مشيرًا إلى أن "العائلات الجزائرية تتطلع إلى أمنٍ يُعيد الطمأنينة لأطفالها بعد ارتفاع معدل اختطاف الأطفال في السنوات الأخيرة".
يُذكر أن الجزائر أوقفت تطبيق عقوبة الإعدام عام 1993، أي منذ إعدام أربعة إسلاميين منضوين في حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المُنحلّة، تورّطوا في تفجير مطار هواري بومدين في الجزائر العاصمة صيف عام 1992.