الثلاثاء, 4 نوفمبر 2025 07:32 PM

نيجيريا في مرمى ترامب: هل هي ذريعة جديدة للسيطرة على النفط أم حماية للأقليات المسيحية؟

نيجيريا في مرمى ترامب: هل هي ذريعة جديدة للسيطرة على النفط أم حماية للأقليات المسيحية؟

شبكة أخبار سوريا والعالم/ دمشق – م. ميشال كلاغاصي

"ترامب في نيجيريا لخلافة ماكرون"، عنوان يثير التساؤلات حول قصة أمريكية جديدة. فصول هذه القصة بدأت تتكشف خلال العقود الماضية، بدءًا من أكذوبة أسلحة الدمار الشامل في العراق، مرورًا بذريعة "الحرب على الإرهاب" وغزو أفغانستان، وصولًا إلى حماية الأمن القومي الأمريكي في ليبيا، ومحاربة تجارة المخدرات في فنزويلا، وآخرها حماية الأقليات المسيحية في نيجيريا. ذرائع واهية تفضح حقيقة "شرطي العالم" ورواياته البطولية المزعومة، والتي لا تعدو كونها شبح منقذ ولص محترف.

هدد ترامب بالتدخل وبعملية عسكرية داخل الأراضي النيجيرية، متهمًا حكومتها بالتقاعس عن وقف ما وصفه بـ "المجازر بحق المسيحيين"، وما تشكله من "تهديد وجودي مباشر للمسيحية في نيجيريا". حرص ترامب على تقديم صياغة جديدة لذريعة تحت عنوان "حماية الأقليات المسيحية"، مطالبًا الحكومة النيجيرية "بالتحرك السريع".

لتصديق ترامب، يجب معرفة أن عدد سكان نيجيريا يقارب 240 مليون نسمة، منهم حوالي 100 مليون مسيحي، قادرون بحسب عددهم وإمكانياتهم وحالة التعايش السلمي والدستور النيجيري على حماية أنفسهم والولايات المتحدة أيضًا.

في المقابل، لم يسجل لترامب وأسلافه الأمريكيين حماية مسيحي واحد حول العالم، بدءًا من الضفة الغربية وغزة في فلسطين المحتلة، وصولًا إلى قتل وتهجير المسيحيين في العراق وسوريا ولبنان. كذلك لم يستطع حماية آلاف الجنود المسيحيين الأوكران من الموت اليومي، وسط اهتمامه باستمرار الحرب في أوكرانيا، والقتال مقابل بيع خردة أسلحته لقوات كييف، وتجديد تسليح الناتو بالأسلحة الأمريكية المكدسة في مستودعات مجمعه الصناعي على نفقة الأوروبيين، وبيعهم مخزون النفط لديه بأسعار باهظة. وينطبق الأمر ذاته على الجنود الروس، وغالبيتهم العظمى من المسيحيين، وجنود أرمينيا الذين سقطوا في معارك ناغورني كاراباخ. قد يكون من الأسهل إحصاء عدد المسيحيين الذين قتلوا على يد "شرطي العالم" في مختلف الساحات.

بالنسبة لنيجيريا، الرئيس بولا أحمد تينوبو هو رجل مسلم، وزوجته أولوريمي تينوبو قسيسة مسيحية. الاختلاط والتعايش بين المسلمين والمسيحيين هناك يؤكد على وحدة وطنية لا تشوبها شائبة، وسط نفي الرئيس النيجيري لكل ما ساقه ترامب من أكاذيب، مؤكدًا أنها لا تعكس حقيقة الحريات الدينية والتسامح لدى الشعب النيجيري، وأن بلاده "تضمن دستوريًا حماية كافة مواطنيها". في الوقت نفسه، كانت تتحرك التنظيمات الإرهابية بوحي استعماري فرنسي، تحت ستار التطرف الديني، لكنه تحول اليوم إلى وحي أمريكي صرف.

نيجيريا تمتلك الكثير من الموارد الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن والثروة الزراعية والحيوانية، الأمر الذي جعلها محط أطماع واهتمام كبريات الدول الاستعمارية والشركات حول العالم، وخلق نوعًا من التعايش المبني على القوة والنفوذ. فالشركات الأميركية تستثمر في النفط والغاز والطاقة، والصين في البنى التحتية، وروسيا في التسليح، وبريطانيا في النفط والخدمات المالية والاتصالات، وفرنسا في النفط والغاز، واليابان في اللوجستيات الرقمية الإلكترونية والسيارات، وغيرها من الدول.

هذا التنافس أثار شهوات السطوة والسيطرة لدى ترامب "شرطي العالم" الحالي، ودفعه نحو ابتداع ذريعة حماية الأقليات المسيحية هناك، بغرض التعمية على أهدافه الحقيقية، ولإخفاء حاجته لوصول جنوده إلى الأراضي النيجيرية، لإشباع لهاثه وراء النفط وفرض نفوذه وهيمنته ودعم الشركات الأمريكية، في محاولة لسحب البساط تحت أقدام الشركات الصينية المنافسة، وتعزيز النفوذ الأمريكي في أفريقيا، مستفيدًا من دعم الأكذوبة الأمريكية بمحاربة التنظيمات الإرهابية هناك.

من الواضح أن ترامب يستغل التركة الفرنسية وأكاذيب عمليات "برخان" العسكرية لمحاربة الإرهاب، على غرار الأكاذيب الأمريكية في محاربة "داعش" في سوريا والعراق، كذلك لاستغلال تحسين صورته وتعزيز ظهوره كجنتلمان ومنقذ وحامي الأقليات المسيحية، تحديدًا في ظل الحروب الحالية التي تخوضها في غزة ولبنان وسوريا والعراق، بعد صباغتها بألوان الحروب الدينية القذرة.

لا يحتاج العالم اليوم إلى طرح الأسئلة حول نيات ترامب بالتدخل العسكري في نيجيريا، ودوافعه وراء أكذوبة حماية الأقليات المسيحية، فالقصة واضحة وضوح الشمس، وبأن ترامب في نيجيريا يتعلم ويستفيد من خبث الفرنسيين والبريطانيين، على غرار استفادة الولايات المتحدة منهم منذ بدايات القرن الماضي، وتحديدًا منذ عهد الرئيس وودرو ويلسون، حيث أحسنت القبض على موروثهم الإجرامي وأطماعهم في الشرق الأوسط أوروبا وأفريقيا وشرق آسيا، للمضي قدمًا نحو رسم ملامح عصر الإمبراطورية الأمريكية وتفردها بقيادة العالم وفق القطبية الأحادية.

مشاركة المقال: